بقلم: الشريف العمرى فضيلة سيدنا الشيخ محمد عبد الخالق الشبراوى
شيخ الطريقة الشبراوية الخلوتية
التصوف الحق كما قال الإمام الجُنيد، رضى الله عنه، هو إلتزام بالكتاب والسنة، فى الأقوال والأفعال، ظاهراً وباطناً.
على هذا يكون السادة الصوفية هم العلماء الربانيون الآخذون دينهم بعزم وقوة، والحافظون لحدود الله فى ظواهرهم وبواطنهم.
وهم آدميون بأجسادهم وملائكيون بأنوارهم. فهموا وتحققوا من خطاب الحق سبحانه:" وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ" الذاريات 56 بأنهم خُلقوا للعبادة والإعراض عن زُخرف الدنيا وزينتها وتحققوا من قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
فأصبح إنسانهم الأعلى هوحضرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى الاتباع والاقتداء به ظاهراً وباطناً. والصوفية هى مرتبة الإحسان التى تحدث عنها النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله :"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
لذا قال شيخى وأستاذى سيدى كامل الشبراوى رضى الله عنه إعلم أن الدين: إسلام: وهو الانقياد لما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم وعدم الإتيان بخلافه.
إيمان: وهو التصديق الجازم بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من الإلهيات والنبويات والسمعيات.
إحسان: وهو على قسمين:
الأول: مراعاة الأدب مع الله سبحانه وتعالى فى ذكره.
الثانى: "أن تعبد الله كأنك تراه" بأن تضمحل منك شهواتك النفسانية بالتخلى عن الصفات المذمومة والتحلى بالصفات المحمودة.
على هذا النهج يسير السادة الصوفية فى الالتزام بالكتاب والسنة، كما بين إبن خلدون (ت:5806) بقوله: "إن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها والتابعين من بعدهم هى طريقة الحق والهداية والإعراض عن زُخرف الدنيا وزينتها". وقال: "إن التصوف هو رعاية حُسن الأدب مع الله فى الأعمال الباطنة والظاهرة بالوقوف عند حدوده".
وهذا الإمام الشافعى رضى الله عنه (ت: 5204) يقول:" مَنْ أحب أن ينور الله قلبه فعليه بالخلوة وقلة الطعام وترك مخالطة السفهاء وبعض أهل العلم الذين ليس لهم إنصاف ولا أدب". وهذا الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه (ت:5241) يقول :"سمعت عن الحارث المحاسبى أنه يتكلم فى علوم الصوفية. فذهبت إليه وجلست أشاهد أحوالهم فما وجدتهم إلا ويذكرون الله ويقرأون القرآن ويطعمون الطعام، فما وجدتهم خرجوا عن الكتاب والسنة".
وهذا الإمام الجنيد رضى الله عنه (ت:5279) يقول: "عِلمُنا هذا مقيد بالكتاب والسنة مَنْ تمسك بهما فهو منا ومَنْ لم يتمسك بهما فليس منا فى شئ".
وها هو حُجة الإسلام الإمام الغزالى رضى الله عنه (ت:5505) يقول: "إنى علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة".
وهذا الإمام عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف رحمه الله، قال: "إن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى، كل منهم يريد أن يصل إليه".
كل هذه النفحات الربانية تنطق بأسمى آيات القول الحق بأن الصوفية على حق من عهد النبى صلى الله عليه وسلم حتى الآن لأن أحوالهم كما قال التِسترى (ت: 5282) أن أصول طريقنا:" التمسك بالكتاب, الاقتداء بالسنة النبوية الشريفة, أكل الحلال, كف الأذى, تجنب المعاصى, لزوم التوبة".
فالصوفية خُلق، فمن زاد عنك فى الخُلق زاد فى التصوف. والصوفية لا تنقص من قدر مَنْ أكرمه الله من فوق سبع سماوات (وهو الإنسان). والصوفية أدب فمَنْ زاد عليك فى الأدب فهو مبلغ الرجال. فيُسارع كل منهم فى الوقوف على باب الذل والانكسار للمولى عز وجل راجياً العفو والقبول ببركة الاتباع لحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع دون الابتداع.
فالواجب على كل متصوف قصد تأديب النفس والجوارح, وتهذيب القلب ليترقى فى مقامات العبودية أن يلتزم بالكتاب والسنة ظاهراً وباطناً, ولا يخرج أبداً عن حقوق الشرع قولاً أو عملاً ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى, واتباع واقتفاء أثر حضرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويسير على هذا النهج الكريم كما سار على نهجه الصوفية الأوائل.
وندعوا الله سبحانه وتعالى الله أن يُنعم علينا بنور الإيمان, والعروج إلى مرتبة الإحسان, وإحياء السريرة بذكر المولى عز وجل, وحفظ الجوارح, وأن يجعلنا من المقبولين, وأن يحفظ أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إرسال تعليق