تبدأ بـ"التخت" و"المدة".. وتختم بـ"الطرب"!
العريس"طاووس" والعروسة "حورية".. وسط الأقران
"التوب".. "الحريرة".. "الحنة".. "النقوط".. "الكف".. طقوس خالصة بـ"امتياز"
كتب- مصطفى ياسين
تتميز الأفراح الأسوانية بالمزج والتنسيق الخاص "الهارمونى" الذي يعكس طبيعة الحياة الأسوانية بكل ما فيها من البشاشة وحب الناس والإقبال على الحياة برضا وسرور، وطيبة القلب، وصفاء النفس، مع الحرص على الالتزام بقيم المجتمع ومبادئ الدين والأخلاق.
وهى فى مجملها متقاربة في مظاهر الاحتفال والفرحة، وإن اختلفت بعض الأمور من بلد لآخر أو مجتمع نوبى لآخر جعفرى أو قبلي، بما يميز أحدهم عن الآخر بشئ من الخصوصية.
لكن اللافت للنظر في جميع أفراحهم، المشاركة الوجدانية التي تصل إلى حد الانصهار والاندماج الكامل بين الجميع، وكأنهم جميعا هم أصحاب الفرح، فليس هناك ضيف ومضيف، الكل واقف فلا تكاد تلمح جالسا إلا المتعب أو ذى الظرف الخاص، الوقوف إما راقص أو مراقب وحارس لمجريات الفرح، أو خادم للحضور، فالكل وكأنهم في "خلية نحل"، ينسجون ليلة من ليالي العمر، بخيوط المحبة والود، تغلفها الابتسامة الصادقة الصادرة من القلوب الصافية، والبشاشة المرسومة على الوجوه، كما ينقشون ألوان الحناء بدرجاتها المتقاربة على الأيدى والأقدام.
الحنة.. ليال متعددة
هذه الليلة هى السابقة لليلة العرس، أو ما تسمى "ليلة الحنة"، فهي تقام في منزل العروس، حيث تتبارى الصديقات وفتيات العائلة بل القرية في التزين وإبراز المواهب والخصائص التي قد تكون سببا في جذب الراغبين في الزواج، فضلاً عن إظهار الفرحة بالعروسة، التى تحرص على تغيير "التوب"، ملابسها مرتين أو ثلاثة خلال هذه الليلة، وتشاركها شقيقاتها أو أقرب القريبات، وهن يتزين بشتى صور الزينة، مع مراعاة عدم المبالغة حتى لا يظهرن وكأنهن منافسات للعروسة، فهي الوحيدة التي يجب أن تكون "حورية" الليلة وأجمل من فيها.
ونفس الشيء يتكرر في بيت العريس الذي يرتدى "جلباب العريس"، المزركش ذى الألوان الفاقعة، ويضع في يده خصلة حمراء من الصوف تسمى "الحريرة"، لتعطي شكلا مبهرا مع لون الحناء، وكنوع من (التحصن من العين والحسد!) ويكون العريس كـ"الطاووس" بين أقرانه، الذين يشاركون في تزيينه وتجميله وتعطيره.
وبعد فاصل من الفرحة والغناء، ينتقلون إلى منزل العروسة، لاستكمال باقي فقرات الاحتفال والفرح الذي يستمر إلى قرب الفجر، ويذهب الجميع بانتظار الليلة الكبيرة.
وفي بعض الأحيان تقام ليلة الحنة في أكثر من يوم، خاصة إذا كان الفرح لشقيقين معا، وهذا يحدث كثيرا، فبعض العائلات تفضل زواج أبنائها بـ"فرح جماعى"، خصوصا إذا كان الأخوان قريبين في السن.
ليلة العمر
والأفراح الأسوانية الجعفرية تبدأ بما يعرف بـ"التخت" أى قراءة القرآن لمشاهير القراء من المحافظة او عامة مصر، حيث يتم الإعلان عن إسم المقرئ الذي سيحيي ليلة العرس، ويستفتح الفرح بآيات الذكر الحكيم عقب صلاة المغرب، فيتوافد الحضور سواء من المهنئين أو السميعة، ويستمر المقرئ حتى الساعة ١١ مساء.
وفي هذه الأثناء يفتح باب استقبال الضيوف لتناول وجبة العشاء، أو ما يعرف بإسم "المدة".. بفتح الميم وتشديد الدال.. لكن بنظام وتقاليد معينة، فهناك الضيف الذي يقدم "النقوط"، وهو "الواجب" الذي يشارك به سواء كان هو مبادرا بهذا الواجب أو كنوع من "رد الواجب"، وهو مشاركة غير مباشرة في مساعدة المقبلين على الزواج في تكاليف حفل الزفاف، فهو يدخل لتناول العشاء ثم يتجه إلى مكان دفتر تسجيل "النقوط"، والذى يتولاه إثنان من الأقرباء.
أما إذا كان الضيف لن "ينقط"، فهو يأتي بعد صلاة العشاء حيث أنه لن يتناول وجبة الطعام، وتكون "المدة" قد رفعت، إلا لمن يأتي متأخرا من الضيوف الأغراب عن القرية. وتضم "المدة" هذه: نوعين من الخضار أحمر وأخضر، (أى طبيخ بصلصة وآخر بدونها)، طبق سلطة طحينة، طبق أرز وعليه قطعة لحم، وأحيانا تكون عبارة عن صينية فتة بالأرز واللحم. كل حسب إمكاناته المادية، ونوعية ضيوفه.
موكب العريس
وبعد انتهاء المقرئ من تلاوته، يصافح العريس ضيوفه، واحدا واحدا، يرافقه أقرب أصدقائه بالعطر، ثم ينطلق موكبه إلى الكوافير حيث تجهيز العروس باللازم في ليلة العمر، ويكون قد انتصف الليل تقريباً، كل هذا للتغلب على شدة الحرارة وارتفاع درجاتها، خاصة وأن معظم الأفراح الأسوانية يتم تحديدها بل وتنسيقها لإتمامها فى فترة الأجازة الصيفية والأعياد خاصة عيد الأضحى المبارك، نظراً لحرص أبناء القرى المسافرين في مختلف محافظات مصر أو خارجها، على المشاركة الاجتماعية وكذا قضاء العيد في القرية الأم التي ولدوا ونشأوا فيها.
مرحلة "الطرب"
ثم تنطلق مرحلة "الطرب" أى الغناء والفرح الملتزم، وفى معظمه فقرة "الكف"، أى الغناء على أصوات الكف، وهذا اللون من الغناء له قواعده وأصوله العريقة، ومطربوه البارزون، وأشهرهم رشاد عبدالعال، رائد فن الكف، رحمه الله، وأنجاله ياسر وشادى، وأيضا "أب صعود" و"أب درويش" رحمه الله، ويونس وعمار وأحمد عثمان، حتى المشاركين في هذا الفن لهم صفات مميزة، ويسمون "الكفافة"، فهم يتنافسون مع المطرب بطرح أبيات شعرية وغالباً هى وليدة اللحظة، ومطلوب من "مطرب الكف" البناء على ذلك واستكمال الغناء والتلحين اللحظي، وهذا يقتضى علماً واسعا بأصول اللغة ومترادفاتها والبلاغة والعروض!
ويظل الطرب مستمراً والتنافس مستعرا بين "الكفافة" ومطربهم، حتى تباشير الصباح، لا يوقفهم- مؤقتا- إلا وقت صلاة الفجر!
وكذلك توجد فنون الطرب الأخرى، من مطربين شعبيين ومطربى المهرجانات، وآلات الـ DG وغيرها من الأدوات والتجهيزات الحديثة.
وهكذا تنتهي ملامح ليلة مفعمة بالحب والفرحة، والمشاركة الوجدانية المجتمعية، لتبدأ حياة أسرية جديدة، وتتواصل وتستمر سنة الله في خلقه بـ"الاستخلاف" في الأرض.




إرسال تعليق