ما
زال نجم الإمام الشافعي ساطعا رغم مرور أكثر من الف عام على وفاته، وسيظل نجمه
ساطعا إلى يوم القيامة، وهذا لم يات من فراغ وإنما لأنه علامة وفقيه عصره ، وأحد
أئمة الفقه الإسلامي وصاحب أحد المذاهب الأربعة لدى أهل السنة والجماعة، ورغم
نشأته يتيما فقيرا إلا أنه صال وجال بين بلاد العالم طلبا للعلم ثم نقل ما تعلمه
لتلاميذه ومنه الإمام أحمد بن حنبل، من هنا تأتي أهمية التعرف على سيرة ومسيرة
الفقيه والشاعر الفذ حيث قامت" عقيدتي" بزيارة مسجد وقبره والتعرف على
سيرنه ومسيرته من خلال علماء الإسلام بالاضافة إلى التفاصيل حول مسجده وقبره
باعتباره من أهم الآثار الإسلامية.
في
البداية يوضح د. أحمد ربيع، العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة –
جامعة الأزهر، سيرة ومسيرة الإمام الشافعي فيقول: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي القُرَشِيّ، ولد عام 150 هـ - الموافق 767 ميلادية، بغزة، يجتمع مع الرسول
صلى الله عليه وسلم في عبد مناف بن قصي، وقيل: هو من آل البيت تحرم عليهم الصدقة
من ذوي القربى الذين لهم سهم مفروض في الخُمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، أما نسبه
من جهة أمه ففيه قولان أولهما: أنها أزدية يمنية، واسمها فاطمة بنت عبد الله
الأزدية، وهو القول الصحيح المشهور الذي انعقد عليه الإجماع، وثانيهما: أنها قرشية
علوية، من نسل علي بن أبي طالب، وهي الرواية تخالف الإجماع، توفى والده وهو صغير،
وانتقلت به أمه إلى مكة المكرمة وعمره لا يزيد عن سنتين، خشية أن يضيع نسبه
الشريف، وذلك ليقيم بين ذويه، ويتثقف بثقافتهم، ويعيش بينهم، ويكون منهم، وعاش في
مكة عيشة اليتامى الفقراء، مع أن نسبه كان رفيعاً شريفاً، بل هو أشرف الأنساب،
ولكنه عاش عيشة الفقراء إلى أن استقام عودُه، وكان لذلك أثر عظيم في حياته
وأخلاقه، ووفقه ربه في حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وروي عنه أنه قال:«كنت
يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي من أمي أن
أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث
أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعب الخَيْف، فكنت أنظر إلى العظم فأكتب فيه
الحديث أو المسألة، وكانت لنا جرة عظيمة، إذا امتلأ العظم طرحته في الجرة".
وأشار
د. ربيع إلى أن الإمام الشافعي كان شغفا بالإستماع إلى المحدِّثين، ويحفظ الحديث
بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أو الجلود، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب
عليها، والظهور هي الأوراق التي كُتب في باطنها وتُرك ظهرها أبيضًا، وذلك يدل على
أنه أحب العلم منذ نعومة أظفاره، فقال الشافعي: «فارقت مكة وأنا ابن أربع عشرة
سنة، لا نبات بعارضي من الأبطح إلى ذي طوى، فرأيت ركباً فحملني شيخ منهم إلى
المدينة، فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة، ودخلت المدينة يوم الثامن بعد
صلاة العصر، فصليت العصر في مسجد رسول الله، ولذت بقبره، فرأيت مالك بن أنس رحمه
الله متزراً ببردة متشحاً بأخرى، يقول:حدثني نافع عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر،
يضرب بيده روضة رسول الله، فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة، ولم يكن لي مال،
فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان أستوهب منهم الظهور وأكتب فيها،
طلبت هذا الأمر عن خفة ذات اليد، كنت أجالس الناس وأتحفظ، ثم اشتهيت أن أدون، وكان
منزلنا بمكة بقرب شِعب الخَيْف، فكنت آخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها، حتى امتلأ
في دارنا من ذلك حبان"، كما حفظ كتاب "الموطأ"، ومما روي عن
الشافعي في هذا المقام أنه ذهب إلى الإمام مالك، فلما رآه الإمامُ مالك قال
له:" يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن
الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية". وروي عن الشافعي أنه
قال:" قدمت على مالكٍ وحفظت الموطأ ظاهراً، فقلت:«إني أريد أن أسمع الموطأ
منك»، فقال:«اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه فقلت:«لا،عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل
عليك قرأت لنفسي»، قال:«اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه، فقال :«اقرأ»، فلما سمع
قراءتي قال:«اقرأ»، فقرأت عليه حتى فرغت منه.
واستطرد د. ربيع: حكى الإمام أحمد عن
الشافعي أنه قال:"أنا قرأت على مالك وكانت تعجبه قراءتي"، قال الإمام
أحمد:"لأنه كان فصيحاً"، وقال ابن كثير:" وكذلك كان حسن الصوت
بتلاوة القرآن"، ثم أخذ يطلب العلم في مكة المكرمة حتى أُذن له الإمام مالك
بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة، ثم هاجر إلى المدينة المنورة مرة أخرى طلباً
للعلم عند الإمام مالك، ولم يكتف بذلك بل ارتحل إلى اليمن ثم العراق طلبا للعلم
وعمل معا، حيث طلب طلب العلم في بغداد عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ
يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز ممثلا في المذهب المالكي، وكذلك
فقه العراق ممثلا في المذهب الحنفي، الغريب أن الشافعي نزل بمنطقة نجران باليمن،
كان بها والٍ ظالم، فكان الشافعي يأخذ على يديه- أي ينصحه وينهاه ويمنع مظالمه-
فأخذ ذلك الوالي يكيد له بالدس والسعاية والوشاية عند الحكام العباسيين واتهمه
بأنه من العلويين الذين يكرهونهم.
رحالة
العلم
وأوضح
د. أحمد ربيع أن الإمام الشافعي عاد إلى مكة المكرمة، وأقام فيها تسع سنوات، عاد
الشافعي إلى مكة ليزداد في طلب العلم فيها على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين،
فبلغ مبلغاً عظيماً، حتى أذن له مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة بالفتيا، فقد روي عن
مسلم بن خالد الزنجي أنه قال للشافعي: "أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك
أن تفتي"، وكان ابن خمس عشرة سنة، وقيل: كان ابن ثماني عشرة سنة، أو دون
عشرين سنة بوجه عام، وكان يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد مرة
أخرى، سنة 195 هـ، وفيها قام بتأليف كتابه الشهير" الرسالة" الذي وضع به
الأساس لعلم "أصول الفقه" فهو أول من كتب فيها بل أنه مؤسس علم أصول
الفقه، ثم سافر لمصر سنة 199 هـ، وفيها أعاد تصنيف كتاب"الرسالة"، وأخذ
ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلاب العلم، وذاع صيته حتى أصبح ثالث
الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي،
وفضلا عن أنه كان إماما في علم التفسير وعلم الحديث، عمل قاضياً فعُرف بالعدل
والذكاء.
عن
ذريته أنهى د. ربيع موضحا أنه الشافعي أنجب أربعة أبناء هم: محمد (أبو عثمان)،
وفاطمة، وزينب من أم واحدة، ومحمد (أبو الحسن) من جاريته المسماة دنانير، أما محمد
بن الشافعي: فهو الشيخ أبو عثمان القاضي، وهو أكبر أولاد الشافعي، ولما توفي والده
كان بالغاً مقيماً بمكة، وهو الذي قال له الإمام أحمد بن حنبل:«إني لأحبك لثلاث
خلال: أنك ابن أبي عبد الله، وأنك رجل من قريش، وأنك من أهل السنة». قيل أنه ولي
القضاء بالجزيرة العربية وأعمالها، وكذلك قضاء مدينة حلب، وبقي بها سنين كثيرة،
وللشافعي ولد آخر يسمى محمداً أيضاً، وكنيته أبو الحسن، وهو من جارية اسمها دنانير،
قيل أنه قدم مصر مع أبيه وهو صغير، فتوفي بها في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين
(231 هـ). وأما ابنته فاطمة فقد روي أنها لم تعقب، أما تلاميذه والرواة عنه فهم
كثيرون من طلاب العلم والمتفقهين أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل ، أما أهم مؤلفاته
فهي كتاب الأم- الرسالة القديمة (كتبه في بغداد)- كتاب الرسالة الجديدة (كتبه في
مصر)- اختلاف الحديث- جمَّاع العلم- إبطال الاستحسان- أحكام القرآن- بيان فرض الله
عز وجل- صفة الأمر والنهي- اختلاف مالك والشافعي- اختلاف العراقيين- الرد على محمد
بن الحسن- فضائل قريش- وله كتب في الطهارة، و في الصلاة، وفي الزكاة، وفي الحج،
والنكاح والطلاق والإيلاء والظهار واللعان والنفقات وغيرها.
الشاعر
الفصيح
عن
الإمام الشافعي كشاعر يؤكد د. على مطاوع، رئيس قسم الأدب والبلاغة بكلية الدراسات
الإسلامية والعربية – جامعة الأزهر، لم يكتف الإمام الشافعي بحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية،
بل اتجه إلى التفصح في اللغة العربية، فخرج في سبيل هذا إلى البادية، ولازم قبيلة
هذيل، قال الشافعي: «إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ
طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت
أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار». وبلغ من حفظه لأشعار الهذليين وأخبارهم أن
الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال:"صححت أشعار هذيل على فتى من قريش
يقال له محمد بن إدريس".
وأوضح
الدكتور مطاوع أن قبيلة هذيل يوصف أبنائها بأنهم أفصحُ العرب، قال مصعب بن عبد
الله الزبيري:" قرأ علي الشافعي رضيَ الله عنه أشعار هذيل حفظاً وكان الشافعي
يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح ولا ينامان، وكان الشافعي في ابتداء أمره
يطلب الشعر، وأيام الناس، والأدب، ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه أنه
كان يسير يوماً على دابة له، وخلْفه كاتبٌ لأبي، فتمثل الشافعي بيت شعر، فقرعه
كاتبُ أبي بسوطه ثم قال له:«مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟»،
فهزه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد، مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن
أنس" ولهذا كان الشافعي أديباً وشاعراً فصيحاً بالإضافة إلى معرفته للعلوم
الشرعية الإسلامية.
وأشار
د. مطاوع إلى أن الإمام الشافعي كشاعر يتميز بأنه لم يكن يقصد منه التكسب أو
التقرب إلى أصحاب المال والجاه والسلطان، بل كان شعره في أغلبه يتناول الحكمة
ومناجاة الخالق، والدعاء والاستغفار والتندم على المعاصي، ولذلك انتشر شعره بين
الناس، ولا يزال شعره متداولاً حتى الآن، وصارت بعض أبياته أمثالاً يتداولها الناس
في حياتهم اليومية ومن قصائده المشهورة:
إذا
شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى..ودينك موفورٌ وعرضك صينُ
لسانُك
لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ..فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ
وعينُك
إن أبدت إليك مَعايباً..فصُنْها وقلْ يا عينُ للناس أعينُ
وعاشر
بمعروفٍ وسامح من اعتدى..ودافعْ ولكنْ بالتي هي أحسنُ
ومن
أشعاره التي يتداولها الأئمة على المنابر والعلماء في مجالس العلم والعامة في
بيوتهم ومجالسهم والمبتهلين والمنشدين قوله:
دعِ
الأيامَ تفعلُ مـا تشاءُ..وطِبْ نفساً إذا حكم القضاءُ
ولا
تجزع لحــادثة الليـالي..فما لحوادث الدنيا بقاءُ
وكن
رجلاً على الأهوال جلداً.. وشيمتُك السماحةُ والوفـاءُ
وإن
كثرت عيوبُك في البرايا..وسَرَّك أن يكون لها غطاءُ
تستَّر
بالسخاء فكلُّ عيـبٍ.. يغطيه كما قيل السخـاءُ
ولا
تُرِ للأعداء قطُّ ذلاً.. فإن شماتة الأعــدا بـلاءُ
ولا
ترجُ السماحةَ من بخيـلٍ..فما في النار للظمآن مــاءُ
ورزقُك
ليس يُنقصه التأني..وليس يَزيد في الرزق العناءُ
ولا
حزنٌ يدوم ولا سرورٌ..ولا بؤسٌ عليك ولا رخاءُ
إذا
ما كنتَ ذا قلبٍ قنوعٍ..فأنت ومالكُ الدنيا سواءُ
ومن
نزلتْ بساحته المنايا..فلا أرضٌ تقيه ولا سماءُ
وأرضُ
الله واسعـةٌ ولكن..إذا نزل القضا ضاق الفضاءُ
دع
الأيام تغدرُ كلَّ حيـنٍ.. فما يُغني عن الموت الدواءُ
وأنهى
الدكتور مطاوع كلامه موضحا أن الإمام الشافعي عندما أراد السفر إلى مصر:
لقد
أصبحتْ نفسي تتوق إلى مصرِ..ومن دونها قطعُ المهامةِ والفقرِ
فواللـه
ما أدري، الفوزُ والغنى..أُساق إليها أم أُساق إلى القبرِ
علامة
عصره
يشير
د. فودة السيد فودة، إمام وخطيب مسجد الإمام الشافعي، أنه ورد في كتب السيرة
والسنة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن أبي هريرة عن النبي قوله:
"اللهم اهد قريشاً فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً، اللهم كما أذقتهم
عذاباً فأذقهم نوالاً"، ودعا بها ثلاثا؛ قال عبد الملك بن محمد أبو
نعيم:"هذه الصفة لا تنطبق إلا على الشافعي رضيَ الله عنه، فأجمعت الأمة على
أن هذا في الشافعي ، فما خرج من قريش فقيهٌ وإمامٌ يبلغ علمُه جميعَ البلادِ
والأكنافِ والأطرافِ، يمناً وحجازاً وشاماً وعراقاً والثغور وخراسان وما وراء
النهر إلا الشافعي"، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل قوله:" إذا سئلت عن
مسألة لا أعرف فيها خبراً، قلت فيها بقول الشافعي رضيَ الله عنه، لأنه إمامٌ عالمٌ
من قريش، وقد رُوي عن النبي أنه قال:«عالم قريش يملأ الأرض علماً"، قال عبد
الملك الميموني:" كنت عند أحمد بن حنبل، وجرى ذكر الشافعي، فرأيت أحمد يرفعه،
وقال: يُروى عن النبي :«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها
دينها، كان عمر بن عبد العزيز رضيَ الله عنه على رأس المائة، وأرجو أن يكون
الشافعي عل رأس المائة الأخرى".كما قال أحمد بن حنبل أيضا:«كانت أقفيتُنا
أصحاب الحديث في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تُنزع، حتى رأينا الشافعي، وكان أفقه
الناس في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله، ما كان يكفيه قليل الطلب في
الحديث، وإني لأدعو لمحمد بن إدريس في صلاتي منذ أربعين سنة، فما كان فيهم (يعني
الفقهاء) أتبع لحديث رسول الله منه"، وهذا ما دفع عبد الله بن أحمد بن حنبل
غلى القول:" قلت لأبي:أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر من الدعاء
له؟"، فقال لي:" يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس،
فانظر هل لهذين من خلف أو منهما عِوض، ما أحد أمسك في يده محبرة وقلماً إلا
وللشافعي في عنقه مِنَّة".
حبه
لمصر
يشير
د. فودة إلى أنه عندما جاء الشافعي إلى مصر كان يذهب إلى زيارة قريبته وحفيدة
النبى محمد صلى الله عليه وسلم، السيدة نفسية، كان يثق الإمام في مشورتها، ويطالب
دعاءها له، حيث كان يتردد عليها أئمة الفقه الإسلامي وكبار العلماء، وقد زارها
الإمام الشافعي وبصحبته والي مصر وقال لها من وراء حجاب:" ادعي لي فدعت
له" وأوصى أن تصلي عليه، وكان إذا مرِض يرسِلُ لها رسولاً من عندِه، فيقرئها
سلامَه، ويقول لها:" إن ابن عمّك الشافعي مَرِيض، ويسألُك الدّعاء فتَدعو له،
فلا يرجِعُ إليه رسولُه إلا وقد عُوفي مِن مَرضِه، فلمّا مَرض الشافعيُّ مرضَه
الأخير، أرسلَ لها على عادتِه رسولَه يسألها الدعاءَ له، فقالت لرسولهِ: متّعَه
الله بالنظَر إلى وجهِه الكريم، ويقال إنه عندما عرفت السيدة نفيسة بوفاته وأدخلت
جنازته إليها وصلت عليه في دارها وقالت:" رحم الله الشافعي فقد كان يحسن
الوضوء".
تاريخ
وتطوير
يؤكد
خبير الآثار الإسلامية د. عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية
والنشر العلمي، أن مسجد الإمام الشافعي من العلامات البارزة في مصر الإسلامية،
باعتباره أكبر الأضرحة بالقاهرة المعز، وأنشئ تعظيما للإمام الذي جاء إلى مصر
واستقر بها لمدة أربع سنوات حتى وفاته، وقد أمر السلطان الكامل الأيوبي في عام
1211 م بإنشاء المسجد تباركا بالإمام الشافعي وتعظيما لدوره، وبالفعل بني الصرح ،
وبنيت وجهات المسجد بالحجر، وزينت أعتاب الشبابيك بكتابات كوفية، وله منارة على
شاكلة المنارات المملوكية، ومنبره مطعم بالسن والآبنوس.
وأوضح
أنه تم بناء القبة الخشبية الضخمة للضريح بأمر من السلطان الكامل الأيوبي، إذ باتت
واحدة من أكبر قباب الأضرحة في مصر على الإطلاق، وتحمل رقم 251 ضمن الآثار
الإسلامية بالقاهرة، وهذه القبة الخشبية محفورة بزخارف نادرة ورسوم رائعة، وهي
عبارة عن قبة خشبية مزدوجة تعد من أروع مبانى العصور الوسطى وأجملها زخرفة، كما
أنها من أجمل القباب التي بنيت في مصر، بل وأقدم قبة خشبية بنيت في المحروسة،
وتوثق هذه القبة تطور الفن في العصر الأيوبي، ويتضح ذلك في عدد الحنايات الموجودة
في القبة إذ تزخر القبة بزخرفة عدد كبير من المتون القرآنية مثل آية الكرسي،
وأحاديث مكتوبة، أهمها ما روى عن النبى، عندما تحدث عن عالم سيأتي بعده من نسل عبد
مناف.
وأشار
إلى الخديو توفيق باشا أمر بتجديد المسجد عام 1891 م، وزينت أعتاب الشبابيك
بكتابات كوفية، وله منارة ومنبره مطعم بالسن والآبنوس، وفي السنوات الأخيرة تم
تطوير المسجد الشهير للترميم في نهاية عام 2016
في إطار مبادرة "الأثر لنا" وتحت إشراف وزارة السياحة والآثار،
افتتحه وزير الأوقاف د. مختار جمعة، والدكتور خالد العناني، وزير الآثار، في 18 أبريل
2021، مشروع ترميم قبة الإمام الشافعي، وتضمنت أعمال ترميم كاملة لجميع مرافقه،
ومن المصاعب التي واجهت فريق الترميم المياه الجوفية التي تسببت في هبوط أرضية
الضريح، والرطوبة في جدرانه، وتم ترميم الضريح والقبة الخارجية والجص المزخرف،
والأخشاب الملونة، والتكسيات الرخامية الملونة والإصلاحات الإنشائية للمباني،
وأعمال ترميم الأسقف والتبليط والتوابيت الخشبية والمقصورات والتكسيات الرصاص،
والعشاري، كما تضمنت أعمال الحفائر وتحديث نظام الإنارة وإضافة لوح توضيحية،
وتوثيقًا شاملاً للمبنى وتفاصيله الزخرفية، تم العثور على المكتشفات العلمية
والأثرية خلال الخمس سنوات، حوالي ألف قطعة جصية مزخرفة. كما كشفت أعمال الحفائر
عن بقايا قبة فاطمية لم تذكر من قبل في المصادر التاريخية، إلى جانب العثور على
شرائط كتابية خلف عناصر معمارية أحدث وغيرها من الاكتشافات المهمة
وأوضح
د. ريحان أن الضريح مقام فوق قبر الإمام الشافعي، ويوجد داخل الضريح عدد أربع
تركيبات خشبية هي: الامام الشافعي- الملكة شمس أم السلطان الكامل - السلطان الكامل
الأيوبي - أسرة عبد الحكم وهي الأسرة التي استضافت الإمام الشافعي، كما يضم 3
محاريب تتجه نحو مكة عند حائط اتجاه قبلة الصلاة، كما يوجد بمسجد الشافعي ضريح
القاضي والفقيه زكريا الأنصاري (824هـ/1421م - 926هـ/1520م) أحد أعلام الفقه
الشافعي المعروف بـ«شيخ الإسلام» وهو مقرئ ومحدث حافظ ولغوي صوفي، شغل منصب قاضي
القضاة في عهد الدولة المملوكية، واشتهر بكثرة مؤلفاته ولهذه أعده البعض مجدد
المائة التاسعة.
#الشافعى
#ريحان_عبد_الرحيم
#الخديوى_توفيق
إرسال تعليق