دليل الأضحية
د. على جمعة: شُكرٌ لله.. إحياء لسُنَّة "الخليل".. توْسِعة على الأهل
د. روحية الجنش: مُراعاة المقاصِد الشرعيّة.. والمصالِح المُعْتَبَرَة
كتب- مصطفى ياسين:
كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وبما أن الأضحية هى أهم مظاهر هذا العيد المبارك- بعد أداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام- فقد حرصنا على تقديم "دليل" يعْرِض كلّ ما يتعلَّق بـ"الأُضحية" وصولا إلى قبولها من الله سبحانه وتعالى.
يصحبُنا فى هذا الدليل فضيلة د. علي جمعة- رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، عضو هيئة كبار العلماء، المفتى الأسبق- نبدأه بتعريف الأضحية لغة وشرعا: وقد سُمِّيَ يوم الأضحى؛ أي اليوم الذي يضحِّي فيه الناس. وقت ارتفاع النهار والوقت الذي يليه.
والأضحية هي ما يُذبح من النِعَم تقرُّبًا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق بشرائط مخصوصة.
وهى مشروعة بالكتاب والسنة القولية والفعلية، وانعقد الإجماع على ذلك. قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]،
وهناك عدة أحاديث تروي لنا فعله- صلى الله عليه وآله وسلم- لها، وأخرى تحكي قوله في بيان فضلها والترغيب فيها، فقد ثبت أنه كان يضحِّي ويتولَّى ذبح أضحيته بنفسه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا" متفق عليه.
وعن عائشة زوج النبي أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ»، ثُمَّ قَالَ: «اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ»، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ» ثُمَّ ضَحَّى بِهِ. رواه مسلم.
مشروعية الأضحية
وقد شُرِعَت التضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي شُرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال.
وقد شُرعت لحِكَم كثيرة منها: أولًا: شكرًا لله على نعمه المتعدّدة، وإحياء سنَّة سيدنا إبراهيم الخليل حين أمره الله بذبح الفداء عن ولده إسماعيل- عليهما الصلاة والسلام- في يوم النحر، ووسيلة للتوسعة على النفس وأهل البيت وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء والتصدق على الفقراء.
وقد اختلف الفقهاء في حكمها على قولين: الأول: وهو المختار للفتوى: أنها سنَّةٌ مؤكّدةٌ في حق المُوْسِر، وهذا قول جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند الإمام مالك وإحدى روايتين عن القاضي أبي يوسف، وهو كذلك قول أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري وسويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وهو المفتى به في الديار المصرية، وبه أخذت دار الإفتاء المصرية.
والقول الثاني: أنها واجبة، وذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة، وهذا المذهب هو المروي عن صاحبيه الإمام محمد بن الحسن والإمام زفر وإحدى الروايتين عن القاضي أبي يوسف، وبه قال من أئمة الفقهاء: ربيعة، والليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري، ومالك في أحد قوليه.
واستدل الحنفية على ذلك بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2].
شروط صحة الأضحية
وللتضحية شرائط تشملها وتشمل كل الذبائح وشرائط تختص بها، وهي ثلاثة أنواع: نوع يرجع إلى الأضحية، ونوع يرجع إلى المضحِّي، ونوع يرجع إلى وقت التضحية.
كأن تكون من الأنعام، وهي الإبل بأنواعها، والبقرة الأهلية، ومنها الجواميس، والغنم ضأنًا كانت أو معزًا، ويجزئ من كل ذلك الذكور والإناث.
وسلامتها من العيوب الفاحشة، ولو قدَّم المضحِّي أضحية ليذبحها، فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه، فانكسرت رجلها، أو انقلبت فأصابتها الشفرة في عينها فاعورَّت أجزأته؛ لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه؛ لأن الشاة تضطرب عادة، فتلحقها العيوب من اضطرابها.
وقت التضحية
يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحَضَر والبوادي، وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النحر أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهو قول الشافعية.
لكن أفضل وقت لذبح الأضحية، هو اليوم الأول وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من الصلاة، فاليوم الأول أفضل منها فيما يليه؛ لأنها مسارعة إلى الخير، وقد قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
مستحبَّات الأضحية
يستحبُّ قبل التضحية أمور: أن يربط المضحِّي الأضحية قبل يوم النحر بأيام؛ لما فيه من الاستعداد للقُرْبَة وإظهار الرغبة فيها، أن يقلِّدها ويجلِّلها قياسًا على الهَدْي؛ لأن ذلك يُشْعِر بتعظيمها، أن يسوقها إلى مكان الذبح سوقًا جميلًا لا عنيفًا ولا يجر برجلها إليه؛ إمساك المضحِّي عن قصِّ شعره وأظفاره، أن يذبح المضحِّي بنفسه إن قدر عليه؛ وأن يشهدها، وأن يدعو فيقول: "اللهم منك ولك، إن صلاتي ونُسُكِي ومحيَاي ومَمَاتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا من المسلمين".
نظرة مقاصدية
وتشاركنا د. روحية مصطفى الجنش- رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية للبنات بجامعة الأزهر، سابقا- بقولها: إذا كان المسلم قادرا على سنَّة الأضحية فالأولى له أن يُضحِّي اتّباعا للسنَّة، أما إن كان مُحتاجا لثمنها لإعانة محتاج في نفقات أُسرته أو تربية أولاده أو معالجة مريض فالأولى دفع ثمنها إليهم، ويستعين بها المحتاج في قضاء حوائجه وحوائج من يعول.
والأولَىَ للمُضَحِّي مراعاة سِنِّ الأضحية الذي نصَّ عليه النبي- في الظروف الطبيعية- أما في الحيوانات التي ينمو بها اللحم في وقت قبل السنِّ المُعْتَبَر وهي ما يُطلق عليها حديثاً "عجول التسمين" وهي التي يُوضَع لها في نظامها الغذائي موادٌ تساعد في تسيمنها في وقت قصير، فإن الأضحية بها جائزة تحقيقاُ للمصلحة المُعتَبَرة وهي أحد مقاصد الأضحية؛ لأنه قد يتعذَّر على المضحِّي في وقتنا الحالي وجود السِنِّ المعتَبَرة لانتشار العجول المُسَمَّنَة، وإذا أراد المسلم- رجلا كان أو امرأة- أن يضحِّي عن نفسه وآل بيته فيُمْسِك هو وحده عن شعره وأظافره، وإن تعذَّر ذلك لمشكلة صحية أو لارتباط هيئته بمتطلّبات عمله كرجال الجيش والشرطة وغيرهم فلا حرج بإذن الله تعالى.
بلد المُضحِّى
والأصل أن يُضحِّي المسلم في بلده التي يعيش فيها، ويوزِّع من لحمها على المحتاجين من أهل بلده قياساُ على الزكاة، ولكن لو ظهرت مصلحة أو دعت حاجة إلى نقل الأضحية إلى بلد آخر يوجد فيه مَنْ هو أشدّ احتياجا للأضحية أو الزكاة فيجوز نقلها بل هو أولى؛ وإذا كان المسلم في بلد لا يتم فيها الذبح بطريقته الشرعية وأحبَّ أن يُضحِّي، فيُمسك عن شعره وأظافره ويرسل ثمنها إلى أهله ويُنيبهم في الأضحية عنه بعد صلاة العيد عندهم.
وإذا أراد الأب أن يُضحِّي عن أولاده المتزوّجين، فإن كانوا يعيشون معه في بيت واحد فيكفي أُضحية واحدة مهما كثُر عددهم، وإن كان الولد معزولا عن أبيه في بيت مستقل فُيضحي عن نفسه إذا كان قادرا عليها، ولو أراد الأب أن يضحّي عنهم جميعا فرعاية لحق الوالد ومن باب خفض الجناح له تُجزيء أضحيته عنهم جميعا، لأنهم وإن لم يسكنوا في بيت واحد فهم أهل بيت واحد.
إشراك النيَّة
العقيقة سُنَّة مؤكَّدة وقَدْرها شاة للولد وشاة عن البنت على الراجح تيسيرا، أو سُبع بقرة لكل واحد منهما. وتُذبح يوم السابع، وإذا أخَّرها جاز، ورغم أن الأصل فى الأضحية والعقيقة أنهما عبادتان مستقلّتان، لكلٍ منهما سبب خاص ومقصد معيّن، وقد شُرعتا على جهة الانفراد، لا التداخل، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله، لكن الأحناف، وأحمد في رواية ثانية، والحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتـادة رحمهم الله، ذهبوا إلى جواز الجمع بينهما في ذبيحة واحدة إذا نواهما معًا، لأن المقصود منهما التقرُّب إلى الله بالذبح، كما أن تحية المسجد تدخل في صلاة الفريضة لمن دخل المسجد وقد أحرم الإمام بالصلاة، وكما لو اتفق يوم عيد وجمعة فيكفي غسلٌ واحدٌ لهما، وهذا القول مبني على مراعاة الحال، وتحقيق المقصد، والتيسير على الناس، لا سيما عند تزاحم النفقات، وتعذُّر التوسِعة.
لكن من قَدَر على ذبيحتين، فالأفضل أن يُفْرِد العقيقة عن الأضحية خروجًا من الخلاف، وإتمامًا للسنَّة.
ذَبْحُ المرأة!
ويجوز للمرأة ذَبْحَ أُضحيتُها كالرجل وسواء كانت المرأة طاهراً أو حائضاً؛ كما تجوز الأضحية عن الميِّت.
تقسيم الأضحية
ولا يوجد في تقسيم الأضحية نصٌّ معتَبَر، وإنما المُراعى فيها تحقيق المصلحة؛ لأن الهدف منها هو إراقة دم لله تعالى، والتوسعة على الأهل والأقارب والمحتاجين، فلو جمع المضحِّي بين كل هذه المقاصد كان أكمل وأولى، ولو اقتصر على بعضها أجزأه، ويشرع للمضحِّي أن يستعمل لحم أضحيته في وليمة العرس ولو بعد أيام التشريق طالما وقع الذبح في يوم العيد أو أيام التشريق الثلاثة؛ فالتوزيع لم يقيّده الشرع بوقت محدَّد، كما يجوز ذبح الأضحية ليلا أو نهاراً؛ وإذا سُرقت الأضحية أو ماتت أو ضلَّت قبل يوم الأضحى فليس على صاحبها بدل ولا ضمان، ومن أحبَّ أن يضحِّي ولو بالاستدانة فلا حرج عليه طالما كان يغلب على ظنّه القُدرة على السداد، لا يجوز للمضحِّي بيع أي جزء من أجزاء الأضحية ولو كان جلدها بل يتصدّق به، أو ينتفع به، ولا يُعطيه للجزَّار مقابل الذبح ولكن يجوز على وجه التصدّق والهِبَة، ولو باع المضحّي أي جزء من الأضحية يتصدّق بثمنه. ويجوز لمن أخذ من لحم الأضحية أن يتصرّف فيه كيفما يشاء، فله أن يأكلها، ولو احتاج لبيعه فله ذلك، لأنه يتصرف فيما يملك.
حقُّ الجزَّار
أما ما يخصّ الجزّار، فعليه أن يُسَمِّي الله تعالى، ويُستحبُّ الصلاة والسلام على رسولنا الأكرم، و لا يحدُّ السكين والبهيمة تنظر إليه، ولا يذبح البهيمة والأخرى تنظر إليه، ولا يؤْلِمها قبل الذبح بالضرب أو كسر بعضها، وأن يُضجعها على جانبها الأيسر ويوجهها للقِبْلة، ويضع رجله على صفحة العُنُق ويقول: "بسم الله والله أكبر، هذا منك وإليك، اللهم تقبَّل هذا عن فلان، وإذا أخطأ الجزّار وسلَّم المُضحِّي أُضحية غير اُضحيته فلا حرج وتُجزيء كل واحدة عن الأخرى، فالخطأ والنسيان مرفوع عن الأمَّة، ويجوز للجزَّار تخدير الأضحية قبل ذبحها لإضعاف مقاومتها عند الذبح شريطة ألا يؤدّي التخدير إلى إزهاق روحها قبل الذبح بصورة شرعية، وهو يدخل في باب الإحسان والرفق بالحيوان وعدم إيلامه عند الذبح وهو مقصد أرشدت إليه السنّة المطهَّرة.



إرسال تعليق