احْذَر.. حتى لا تُهْدِرَ أُضْحِيَتَك!

"الجَلاَّلة".. لحم فِطِيْس.. لا يُجْزِئ الشَعِيرة!

ناقلة للأمراض.. والوقاية خير من العلاج

دار الإفتاء تنصح المُضَحِّين بـ"تَحَرِّي الدِقَّة"

د. أحمد حسن: مخاطر صحية على مائدة العيد

كتب- مصطفى ياسين:

مع اقتراب أيام عيد الأضحى المبارك، تكتَظُّ الشوارع والميادين، بـ"شَوَادر" بيع الأضاحى من مختلف الأصناف والأنواع (إبِل، ماشية، أغنام، ماعِز)، هذا فضلا عن المزارِع التى تُرَبِّي وتُوَرِّد هذه الأضاحى.

لكن، على خطٍّ موازٍ، نجد بعض مُرَبِّي الأغنام والماعِز، "يَسْرَحون" بها على أكوام القمامة والفَضَلات، ومعظم هؤلاء المُرَبِّين يعتمدون اعتمادا أساسيا على هذا الأسلوب لتغذية أغنامهم، دون الأعلاف المتنوّعة، نظرا لارتفاع الأسعار، فيكون غذاء ثروتهم الحيوانية على "القاذورات"، ما ينعكس على صحَّة الحيوان، وبالتالى على صحة الإنسان الذى يتناولها لاحقا، ولذا سُمِّيَت فى الشَرْع "الجَلَّالة"! فما حكم التضحية بهذه الحيوانات؟ وما هى أخطارها وأضرارها الصحية على من يتناولها؟ وهل تُجْزِئ فى أداء الشَعِيْرَة؟!

فى البداية، يُحذِّر د. صابر جمعة عبده- أستاذ تغذية الحيوان بكلية الزراعة جامعة الأزهر فرع أسيوط- من أكل لحوم الحيوانات التي تتغذَّى على القِمامة فقد تُسبِّب أضرارًا للصّحّة. منها: تصيب بالتلوّث البكتيري لما تحتويه القمامة من بكتيريا ضارّة مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية، والتي يمكن أن تنتقل إلى الحيوانات.

- الطفيليات: تحتوي القمامة على طفيليات مثل الديدان الشريطية والديدان الدبوسية، والتي يمكن أن تصيب الحيوانات وتنتقل إلى الإنسان عند تناول اللحم.

- المعادن الثقيلة: تحتوي القمامة على معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق، والتي يمكن أن تتراكم في جسم الحيوان وتسبِّب تسمُّمًا عند تناول اللحم.

- المواد الكيميائية: تحتوي القمامة على مواد كيميائية ضارّة مثل المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الصناعية، والتي يمكن أن تتراكم في جسم الحيوان وتسبِّب تسمُّمًا عند تناول اللحم.

الأمراض المحتَمَلة

أما الأمراض المحتَمَلة، فهى: - التسمم الغذائي: يمكن أن يسبِّب تناول لحوم الحيوانات الملوَّثة تسمّمًا غذائيًا، والذي يمكن أن يؤدي إلى أعراض مثل الغَثَيان والقِيء والإسهال.

- الأمراض الطُفيلية: يمكن أن يسبّب تناول لحوم الحيوانات المصابَة بالطفيليات أمراضًا طفيلية مثل الديدان الشريطية والديدان الدبُّوسية.

- الأمراض المزْمنة: يمكن أن يسبّب تناول لحوم الحيوانات الملوّثة بمواد كيميائية أو معادن ثقيلة أمراضًا مزْمنة مثل السرطان وأمراض الكَبِد والكُلَى.

الوقاية خير من العلاج

وللوقاية من الوقوع ضحية لهذه الأضحية، يؤكد د. صابر جمعة، على ضرورة: - التأكّد من مصدر اللحم: وعدم شراء لحوم الحيوانات التي تتغذّى على القمامة.

- الطهي الجيد: لقتل البكتيريا والطفيليات.

- الفحص البيطري: فيجب فحص اللحم من قِبَل الطبيب البيطري للتأكّد من سلامته.

مخاطر صحية

ويحذر د. احمد على حسن، استاذ الأمراض الباطنة بكلية الطب جامعة الأزهر، قائلا: في موسم الأضاحي، تنتشر ظاهرة شراء "الجلالة"، وهي الحيوانات التي تتغذى على القمامة ومخلفات الطعام في الشوارع ورغم جاذبية أسعارها، إلا أن تناول لحومها يمثل خطرًا صحيًا حقيقيًا على الإنسان.

من الناحية الطبية، تتعرض هذه الحيوانات لتراكم السموم والمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق في أنسجتها هذه المواد لا تختفي بعد الذبح أو الطهي، بل قد تنتقل إلى الإنسان مسببة أمراضًا خطيرة إضافة إلى الميكروبات التي تلتقطها من بيئتها الملوثة، ومن أبرز هذه الميكروبات: البكتيريا المعوية مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية والطفيليات كالدودة الشريطية والتسمم الحاد بالسموم المفرزة بواسطة بكتيريا التسمم الغذائى وكذلك الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، ويزداد الخطر إن كان الحيوان يبدو مريضًا أو تصدر منه رائحة كريهة أو ظهرت عليه علامات غير طبيعية عند الذبح.

وتشمل الأعراض المحتملة: القيئ والمغص والإسهال وعسر الهضم بسبب ،التهابات الجهاز الهضمي، كما يمكن ان يعاني المريض من اضطرابات الكبد والكلى، وضعف المناعة، كما تشير دراسات إلى أن بعض هذه الملوثات قد تكون مسرطنة أو تؤثر على النمو العصبي لدى الأطفال.

فماذا إذا اشترى أحدهم أضحية واكتشف أنها "جلالة"؟ 

يوصي الأطباء البيطريون بعدم ذبحها مباشرة بل إخضاعها لفترة استبراء لا تقل عن 40 يومًا، يتم خلالها تغذيتها بأعلاف نظيفة ومراقبة حالتها الصحية، حتى تتخلص من السموم المتراكمة، أما إذا تم ذبحها دون هذه الفترة فمن المهم اتباع هذه الإرشادات: الطهو الجيد جدًا والتخلص من الأحشاء إذا كانت ذات رائحة أو لون غير طبيعي مع تجنب تقديمها للأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

واخيرا فان الوقاية تبدأ من الوعي الصحى مع اختيار الأضحية من مصدر موثوق، مع عرضها على طبيب بيطري قبل الشراء، وذلك ليس فقط التزام شرعي، بل ضرورة صحية لحماية أنفسنا ومجتمعنا.

الصحة العامة

من جانبه، ينصح د. أنور الزينى- طبيب بيطرى عام- بوجوب تقييم حالة الحيوان والتأكّد من سلامته وعدم وجود أي تأثير سلْبي من القمامة على صحّته، من خلال ملاحظة الصحة العامة للحيوان، وهى الظاهرة للعيان دون أي موارَبة أو مُدارَاة، فتكون العَيْنُ لامِعَةً، الصحّة جيدة، لا عَرَج ولا عَمَى، ولا أورام، مِكْنِز لحم، وليست هزيلة.

أوضح د. الزيني، أن الأضاحى عامة هى من الحيوانات المُجْتَرَّة، أى التي تَجْتَرُّ وتسترجِع طعامَها أثناء الهضم، وهى ذات المَعِدَة الكبيرة المكَوَّنة من ٤ أجزاء: الكِرْش "الرومن"، الروتكلام، أمِيْزَم، الأب أُوزْيَم، "أُمُّ الشَلاتيت"، حيث يحدث التخمير بالميكروبات النافعة التي تهضم وتطحن كل ما يأكله من الألياف حتى تتحلَّل، لتمتصَّ الدهون والكربوهيدرات ويطلع منها الجلوكوز الذي يدخل للدم، وليس اللحم مباشرةً. ثم تخرج البقايا في شكل فضلات ورَوَث.

معيار الكشف

لكن د. الزيني يرى أنه رغم إصابة الحيوان في بعض الأحيان بالأمراض المختلفة وهي كثيرة ومنها الضار جدا حسب شدَّته، وهناك أمراض مشتَرَكة مع الإنسان مثل الدَرَن، خُرَّاج الغُدَد الليمفاوية، إكيولاى البكتريا المعويّة التي تسبّب الإصابة بالإسهال فيموت، وهذه الأمراض لا يُسمح بتحاوزها في المجازِر، إلا أن هناك نظاما ربَّانيا يحميها من الضَرَرِ بنفسها أو بغيرها، فهى لا تأكل أى شئ حتى لو من القمامة، وطالما أن ذلك المَرَض لم تؤثّر على الحيوان ولم يتحوّل الى حالة مَرَضِيَّة حتى لو أكَلَت مُبيدات، لأن المعيار هنا هو: إصابة الحيوان من عَدَمه، فإذا كانت الإصابة خطيرة ستؤدّي إلى نُفُوْقِه، أما انتقال العدوى مباشرة من الحيوان للإنسان فهذا لا يحدث!

اختلاف الفقهاء

وقد اختلف الفقهاء حول الحكم الشرعي للحوم الأغنام التي تتغذّى على القمامة، كما يقول د. صبرى عبدالرؤوف- استاذ الفقه بجامعة الأزهر-: حيث يعتمد على عدة عوامل، تشمل: النوع والكمية، فإذا كانت الأغنام تتغذّى على القمامة التي تحتوي على مواد نَجِسَة أو محرَّمة، مثل لحوم المَيْتَة أو الدم أو لحم الخنزير، فإن لحمها لا يجوز أكله.

وإذا كانت تتغذّى على القمامة بكميات كبيرة، بحيث تؤثِّر على طَعْم أو رائحة أو جودة اللحم، فقد يكون هناك تأثير على جواز أكله.

ولذا يرى الجمهور: أن الأغنام التي تتغذّى على القمامة لا يجوز أكل لحمها، فى حين يرى بعض الفقهاء أنه يمكن أكل لحمها إذا كانت القمامة لا تحتوي على مواد نجسة أو محرّمة، وكان اللحم لا يظهر عليه أي تأثير سلبي. خاصة إذا كانت هناك ضرورة، مثل حالات المجاعة أو عدم توفُّر بدائل أخرى.

 وإذا ضحَّى الإنسان بحيوان ثم تبيّن له أنه كان يتغذى على القمامة، فالحكم يعتمد على عدة عوامل:- عدم العلم: إذا لم يكن يعلم أن الحيوان كان يتغذى على القمامة قبل الأضحية، فالأضحية صحيحة.

- الجهل غير المعتَبَر: إذا كان الجهل بعدم تغذية الحيوان على القمامة غير معتبر شرعًا، فالأضحية صحيحة.

وبعض الفقهاء: يرى أن الأضحية لا تصح إذا ثبت أن الحيوان كان يتغذّى على القمامة، ويجب إعادة الأضحية.

دار الإفتاء

وقد حسمت دار الإفتاء المصرية، فأصدرت فتواها فى حكم التضحية الجلَّالة، وهي التى تتغذّى على النجاسات، ولا تأكل غيرها، والمفْتَىَ به: أنه لا يجوز ذبحها والتضحية بها إلا بشرط، وهو أن تتطهّر من تلك النجاسات بأن تُحْبَس لمدة اختلف في زمانها ولكن المستقرّ عند معظم أهل العلم والخبرة أن تُحبس الماشية أربعين يومًا سواء كانت من الإبل، أو عشرين يومًا إن كانت من البقر، أو عشرة أيام إن كانت من الغَنَمِ. فعَنْ عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَعَنْ الْجَلَّالَةِ، وَعَنْ رُكُوبِهَا، وَعَنْ أَكْلِ لَحْمِهَا)، فالجَلاَّلة: اسم يشمل أي حيوان يتغذّى على النجاسات، سواء كان من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الدجاج، أو الأوز، أو غيرها من الحيوانات المأكولة.

ولم تكتف دار الإفتاء بذلك، بل طالبت المُضَحِّين بتحرِّي أماكن شراء الأضاحي والتعامل مع أهل الثّقة حتى تُقْبَلَ منهم أُضْحِيَتُهم.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم