لَعْنَةُ الإقليمي.. والدور المجتمعى

بقلم: السيد سالم جابر الجازولي

عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، شيخ الطريقة الجازولية الحسينية الشاذلية

شهِدَت حوادثُ الطُرُقِ فى الفترة الأخيرة تزايدًا مضَّطرِدًا، يعكس صُوَر مآسٍ إنسانية تُدْمِي القلوب، وتزيد من حالة الحُزن التى يعانيها المواطن فى حياته اليوميّة.

ولم تكن حادِثة "شهيدات العِنَب" الأولى، ولم ولن تكون الأخيرة، فقد سبقها الكثير، بل تبعها أيضا الكثير من الحوادث- رغم عدم مرور وقت يُذْكَر على مأساة شهيدات العِنَب- ما استدعَى تَدَخُّل الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوجيه الحكومة لدراسة اتّخاذ الإجراءات اللازمة لإغلاق الطريق الدائري الإقليمي في المناطق التي تشهد أعمال رَفْعِ الكفاءة والصيانة، مع وضع البدائل المناسبة والآمنة، حفاظًا على سلامة المواطنين وضمان إنجاز الأعمال في أسرع وقت.

كما وجّه الرئيس السيسى، وزارة الداخلية بسُرْعَة اتخاذ الإجراءات القانونية ضدّ المُخالِفين وتكثيف جهودها خلال الفترة المُقْبِلَة لفرض الانضباط والالتزام بالقانون على كافّة الطُرُق، خاصة من حيث السُرعة والحمولة للحفاظ على أرواح وأموال المواطنين.

ومع تسليمنا وإيماننا الكامل والتام بأن "الأعمار بيَدِ الله"، وأنه " لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" (سورة الرعد: 38)، ورغم انخفاض عدد وفيات حوادث الطُرُق، بنسبة انخفاض بلغت 10.3%- طبْقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء- حيث بلغت 5,260 حالة وفاة خلال عام 2024، مقابل 5,861 حالة في عام 2023، إلا أنها ما تزال نسبة كبيرة ومفْزِعَة، خاصة فى ظلِّ الإنجازات الكبيرة التي يشهدها قطاع تمهيد وتعبيد وتأهيل وإقامة شَبَكَةِ الطُرُق فى الوقت الراهن، ما يفْرِض ويتطلَّب جهودًا مضاعَفَة للتنسيق فيما بين مختلَف الأجهزة والجهات المعنيّة، ابتداء من المدْرَسة والأُسْرَة ودُوْر العبادة، ووزارة الداخلية، بداية من استخراج رُخَصِ القيادة ثم المتابَعة والمراقَبَة المُشَدَّدة على الطُرُق الداخلية والسريعة، مع تطبيق التشريعات والقوانية الصارِمة لمعاقبة المخالِفين، وتسير بالتوازى معها إجراءات التوعية والإرشاد بخطورة عدم التزام قائدى المرْكَبَات بقواعد وأخلاقيات "مِهْنَة السِوَاقَة"، ويكفى فى السابق إيمان الجميع بمقوْلة "السِوَاقَة فَنٌّ وذَوْقٌ"، فهى ليست "رُعُونة وفَهْلَوة وغُرَز وعافِية!" خاصة من قائدى المرْكَبات العامة أو النقل الثقيل الذين يحبُّون ألقابًا مثيرة ومستَفِزَّة مثْل "عفارِيت الأسفل" وغيره!

وذاتُ الشئ ينطبق كذلك على سائقى التكاتك والميكروباص أو حتّى السيارات الملاكى، فالأساس فى القيادة هو "الفَنُّ والذَوْق"، ولنسترجع القِيَم والحِكَم المأثورة والمتوارَثَة، وتطبيقها قولا وفعلا وليس التنمُّر عليها والاستهزاء أو الاستقلال من شأن مُرَدِّدْها!

فالحياةُ وسلامتُها، والمحافظةُ عليها، ليست بالأمر الهيّن ولا اليسير، فالله تعالى الذى خَلَقها وأودَعها فى مخلوقاته- وأكرَمَها وأعزَّها الإنسان- أمرَ بالحفاظ عليها بل عدَّها من الكُلِّيَّات الخَمْس، فما بالُ بعضنا يستهين بها، ويستهتر بحياته والآخرين، فيُعرِّضَها للهلاك والفناء؟! وقد نُهِينا عن ذلك، فقال تعالى: "...وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (سورة البقرة: 195).

إن الاستهتار والإهمال المُسَبِّب الأول للكثير من تلك الحوادث، فضلا عن كوْنه يمثِّل مخالَفَة دينية صريحة، فهو أيضا إهدارٌ وتضييع لحقِّ الوطن وموارده المادية- وأعظمها بالطبع البشرية- بما يمثِّله من انعكاس سلبي وتشويه لكلّ الإنجازات الكُبرى التى تشهدها منظومة الطُرُق فى مصر الجديدة.

فلتتكاتف كل الجهود والأجهزة المعنيّة، بما يمنع "نزيفَ الأسفلت"، ولـ"تحيا مصر" حامية حافظة لأبنائها من كلّ مكروه وسوء، كما حفظها الله من فوق سبع سماوات.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم