بدائل الحج.. لمن تعذر عليه أداء الفريضة!
10 أعمال تنال بها ثواب الحج.. وأنت في بلدك!
كل عام تهفو قلوب المؤمنين إلى زيارة بيت الله الحرام وروضة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في أعظم رحلة عرفها الإنسان، تلبية لنداء الحق سبحانه وتعالى القائل لخليله، سيدنا إبراهيم عليه السلام، في سورة الحج: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)".
لكن كثيرا من الناس تقعدهم الحاجة والعوز وعدم القدرة على أداء فريضة الحج، ومع ذلك فإن الله ورسوله لم يحرما أولئك الناس من نيل ثواب الحج، ببعض العبادات والطاعات.
أغلى أمنيات
تقول د. روحية مصطفى الجنش، رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية للبنات سابقا بالأزهر: مما لا شك فيه أن أداء فريضة الحج يُعد من أغلى أمنيات كل مسلم، لما لها من آثار عظيمة على المستويين الفردي والاجتماعي.
ومن أبرز هذه الآثار أن المسلم إذا أدّى الحج كما أمر الله، بإخلاص واتباع، عاد من حجه نقيًّا من الذنوب، كيوم ولدته أمه.
وكما أن الحج المبرور، الذي لا يُخالطه رفث ولا فسوق ولا جدال بالباطل، ليس لصاحبه جزاءٌ إلا الجنة إذا توفّاه الله بعد أدائه، وبما أن هذه الفريضة العظيمة يشترط فيها شرطٌ رئيس، وهو الاستطاعة، ويُقصد بها الاستطاعة المادية التي تشمل قدرة المسلم على تحمّل تكاليف الحج ذهابًا وإيابًا، مع قدرته على ترك ما يكفي أسرته من نفقات خلال فترة غيابه حتى عودته، غير أن فقدان القدرة المادية قد يحول دون تحقق أمنية أداء الحج لدى كثير من المسلمين، لكن الله تعالى، الرحمن الرحيم بعباده، فتح لهم أبوابًا أخرى من الفضل، فجعل بدائل يسيرة في عبادات بسيطة يمكن للمسلم أداؤها دون مشقة أو عناء، يُدرك بها أجر الحج وثوابه، إذا صدقت النية وتحقّق الإخلاص.
تستطرد د. روحية: من صور هذا الفضل العظيم: أن المسلم إذا حافظ على صلاة الفجر في جماعة، ثم جلس في مُصلاّه يذكر الله حتى تشرق الشمس، ثم صلّى ركعتين لا يُحدّث فيهما نفسه، كُتبت له حجةٌ تامة وعمرةٌ تامة، كما أخبر الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.
فإذا كان الحج لا يتكرر إلا مرة في العام لارتباطه بميقات زماني محدد، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وجعلت للمسلم أن يحج بقلبه ولسانه وركوعه مرات ومرات في العام، فسبحانك يا جابر القلوب والأرواح، ما أوسع رحمتك وما أعظم عطاياك!
مرافقة النبي في الجنة
تتابع د. روحية: وكذلك من الأعمال ما لا يقل أجرًا وثوابًا عن الحج، بل قد يُفضَّل عليه في بعض الأحوال، ومن ذلك: كفالة اليتيم، التي جعل النبي ﷺ جزاءها مرافقةً له في الجنة، وكذلك القيام على الأرامل، ومساعدة المحتاجين، والسعي في حوائج الناس، فكلها عبادات عظيمة تُقرّب العبد من ربه، وتُعظِّم أجره، ورب عمل بسيط بنيّة صادقة، يبلغ بصاحبه ما لا تبلغه الأقدام في السير إلى البيت الحرام.
بل إن جوهر كل تلك العبادات والمعاني يمكن أن يُجمَل في خلق واحد عظيم، وهو: حُسن الخُلُق، الذي رفعه النبي ﷺ إلى أعلى المقامات، حين قال: "إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا." الترمذي بإسناد حسن صحيح، فبحسن الخلق تُنال الدرجات العُلى، ويُدرك المرء أجر العابدين، ويكون في القرب من رسول الله، لا بكثرة عمل، بل بصفاء قلب، وسعة صدر، وطيب معاملة.
أعمال متنوعة
يلتقط خيط الحديث د. يسرى عزام، إمام وخطيب مسجد عمرو بن العاص، قائلا: في مثل هذه الأيام المباركة تهفو القلوب وتشتاق الأرواح وتتوق النفوس لحج بيت الله الحرام، يحن القلب يا الله
إلى حج لبيت الله
بناه خليل مولانا
وإسماعيل حين صباه
لبسنا البيض من ثوب
ولبس البيض ما أحلاه
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يفعل من لم يدرك الحج هذا العام؟ وما الأعمال التي تقوم مقام الحج والعمرة؟
- هناك أعمال تعادل الحج في الثواب والأجر لكنها لا تغني عن ركن الحج لمن استطاع إليه سبيلا رزقنا الله وإياكم حج بيته. ومن هذه الأعمال:
1- الجلوس في المصلى من الفجر للضحى بعد صلاة الفجر في جماعة، من الأعمال التي يعدل ثوابها ثواب الحج والعمرة، فقد بيَّن النبي ﷺ فضل الذِّكر بعد صلاة الفجر إلى الشروق وصلاة الضحى بعد الشروق فقال ﷺ: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ» [أخرجه الترمذي].
2- بر الوالدين: من الأعمال التي يعدل ثوابها ثواب الحج والعمرة، فقد أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟» قَالَ: أُمِّي، قَالَ: «فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا» [أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان].
3- المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد من الأعمال التي يعدل ثوابها ثواب الحج، قَالَ ﷺ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ». [أخرجه أبو داود].
4- الأذكار بعد الصلوات الخمس: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ- ﷺ-، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُور "جمع دثر، وهو الكثير من كلِّ شيء" مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، [أخرجه البخاري].
5- حضور مجالس العلم في المساجد: قال ﷺ: "مَن غدا إلى المسجد لا يريد إلاَّ أن يتعلَّم خيرًا أو يعلمه، كان كأجْرِ حاجٍّ تامّا حَجَّته" رواه ابن حبان.
6- تجهيز الحاج، قال ﷺ "من جهز غازيا أو جهز حاجا أو خلفه في أهله أو فطر صائما كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء". (الترغيب والترهيب).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالي عن فضل العمرة في رمضان: أي تقوم مقام الحج في الثواب لا أنها تعدله في كل شيء.
7- الذهاب مبكرا لصلاة الجمعة: روى سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله ﷺ: ((إن لكم في كل جمعة حجة وعمرة، فالحجة: الهجير للجمعة، والعمرة: انتظار العصر بعد الجمعة)) والهجير: اشتداد الحر نصف النهار، والتهجير والتهجر والإهجار: السير في الهاجرة.
8- صدق النية عند العجز، ومن لم يستطع الحج وعجز عنه لفقر أو مرض أو عرض وتتحسرُ نفسه عليه، لا تدري لعل الأجر قد كُتب لك بنيّتك الصالحة، قال ﷺ وهو قافلٌ من غزوة تبوك: (إن بالمدينة رجالاً؛ ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر ).
قال ابن رجب رحمه الله: إن من عجَز عن عمل خير وتأسف عليه وتمنى حصوله؛ كان شريكًا لفاعله في الأجر .
قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات، فعَرَض له عذرٌ منعه، حصل له ثواب نيته".
9-العمرة في رمضان تعدل حجة، فقد أخرج الإمام مسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي ﷺ قال لامرأة من الأنصار يُقال لها أم سنان: ما منعك أن تكوني حججتِ معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان – تعني زوجها – حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، فقال رسول الله ﷺ: فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي)) وفي رواية أخرى: ((عمرة في رمضان كحجة معي))
ومعنى قوله: ((كحجة معي))؛ أي: في ثوابها وجزائها، ومشاعرها، حين تجد لها نفس المذاق الذي وجده من حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
((كحجة معي)) في بركتها وأثرها في إحياء القلوب، وتهذيب النفوس. رزقنا الله وإياكم من فضله العظيم ووفقنا الله وإياكم لحج بيته اللهم آمين.



إرسال تعليق