فلسطين.. قضيّة مصر الأولى

بقلم: السيد سالم الجازولى

شيخ الطريقة الجازولية، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية

تواجه أُمَّتُنا العربيّة تحدّيّات مصيريّة، تستوجِب علينا أن نقف صفًّا واحدًا لمواجهتها، بحَزْمٍ وإرادةٍ لا تلين. ولا يخفى على أحدٍ، أن القضية الفلسطينية تَمُرُّ بمرحلة من أشدِّ مراحلها خطورة، وأكثرها دِقَّةً، إذ يتعرّض الشعب الفلسطينى، لجرائم ممنْهجَة وممارسات وحشيّة، على مدار أكثر من عامٍ ونصف، تهدف إلى طمْسه وإبادته، وإنهاء وجوده فى قطاع غزّة، حيث تعرّض القطاع لعملية تدمير واسعة، لجعله غير قابلٍ للحياة، فى محاولة لدفْع أهلِه إلى التهجير، ومغادرته قسْرًا تحت أهوال الحرب. فلم تُبْق آلة الحرب الإسرائيلية، حجَرًا على حجَر، ولم ترْحم طفلا أو شيخًا، واتّخذت من التجويع والحِرْمان من الخدمات الصحيّة سلاحًا، ومن التدمير نهجًا، ممّا أدّى إلى نزوح قُرابة مليونىّ فلسطينى داخل القطاع، فى تحدٍّ صارخٍ لكل القوانين والأعراف الدولية.

وفى الضفة الغربية، لا يقلّ الوضع بشاعة ومأساوية، فلا تزال آلة الاحتلال، تمارِس ذات السياسة القمْعيّة من قتل وتدمير، ورغم ذلك يَبْقَى الشعب الفلسطينى صامدًا، عصيًّا على الانكسار، متمسِّكًا بحقّه المشروع فى أرضه ووطنه.

ومنذ أكتوبر ٢٠٢٣، كثَّفت مصر جهودها السياسيّة، لوقف نزيف الدمِ الفلسطينى، وبذلَت مساعٍ مُضْنِيَة، للوصول إلى وقْف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، مطالِبة المجتمع الدولى- وعلى رأسه الولايات المتحدة- باتّخاذ خطوات حاسمة، لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.

وسط هذا الوضع المُخْزِى، انعقد اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمّة في دورته الرابعة والثلاثين، بالعاصمة العراقية بغداد، فى ظرفٍ تاريخىٍ، حيث تواجِه منطقتُنا تحدّيّات معقَّدة، وظروف غير مسبوقة، تتطلّب منّا جميعا- قادَة وشعوبًا- وقْفة موحَّدة، وإرادة لا تلين، وأن نكون على قلب رجلٍ واحدٍ، قولا وفعلا، حفاظا على أمن أوطاننا، وصونَاً لحقوق ومُقدَّرات شعوبنا الأبِيَّة.

وقد تناولت القمَّة الأوضاع الإقليمية، وما تشهده المنطقة العربية من تحديات جسيمة، خاصَّة ما يتعلّق بالحرب الجارية في غزّة، فضلاً عن الأوضاع في سوريا والسودان وليبيا والصومال، كما ناقشت جهود الارتقاء بالعمل العربي المشترك بما يتّفق مع تطلّعات الشعوب العربية، وقد شارك السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بإلقاء كلمة مصر، والتي تناولت رؤية مصر بشأن مختلَف القضايا محلِّ النِقاش، خاصة القضية الفلسطينية، والتى قال بشأنها مقولةً صارت حديث العالم كلّه عَبْر وسائل التواصل المختلفة، وهي: (حتّى لو نجَحَت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظلُّ بعيد المَنَال، ما لم تقُم الدولة الفلسطينية، وِفْقَ قرارات الشرعيّة الدوليّة). كما أكّد: (إن الأمانة الثقيلة التى نحمِلها جميعا، واللحظة التاريخية التى نقف فيها اليوم، تُلْزِمُنا بأن نُعْلِى مصلحة الأمّة فوق كلّ اعتبار، وأن نعمل معًا– يدًا بِيَدٍ- على تسوية النزاعات والقضايا المصيرية، التى تعصِف بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينيّة؛ القضيّة المركزيّة التى لا حياد فيها عن العدل، ولا تهاون فيها عن الحق. فلنعمل معًا على ترسيخ التعاون بيننا، ولنجعل من وحدتنا قوّة، ومن تكاملنا نَمَاء، مؤمنين بأن شعوبنا العربيّة، تستحق غدًا يليق بعَظَمَةِ ماضيها، وبمجدِ حضارتها، فلنمض بثباتٍ وعزيمة، ولنجعل من هذه القمَّة، خطوة فاصلة، نحو غدٍ أكثر إشراقًا لوطننا العربى).

وكان العرب قد وجَّهوا سابقا من خلال قمّة القاهرة، فى مارس الماضى، رسالة حاسمة للعالَم، تؤكّد أن إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية"، هو السبيل الأوحد، للخروج من دوّامة العنف، التى ما زالت تعصِف بالمنطقة، مهدِّدة استقرار شعوبها كافّة بلا استثناء.

وهكذا تؤكّد مصر- قيادة وحكومة وشعبًا- أن فلسطين قضيّة مصر الأولى، ولن تهدأ حتّى تتحقّق الدولة المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية، مهما تباينت واختلفت أو حتّى انعدمت المواقف العربية كُلِّيَّةً.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم