د. خضرة سالم: التربية تعليم وتدريب وتحمل مسئولية
د. شيرين مظلوم: "طوق النجاة" من إدمان الشاشات
د. منتصر مجاهد: "شُرَكَاء الأُسرة".. على "الحلوَة والمُرَّة"
كتب- مصطفى ياسين:
كشفت دراسةٌ طويلةُ الأمدِ أجرَتها جامعة هارفارد، امتدّت لأكثر من 85 عامًا، عن وجود صِلَة قويّة بين أعمال الطفولة المنزلية والنجاح المِهني لاحقًا.
لاحظ الباحثون أن الأطفال الذين يشاركون في الأعمال المنزلية يطوِّرون شعورًا أقوى بقيمتهم الذاتية وتعاطفهم، وهما سِمَتَان أساسيّتان للنجاح المهني.
تغرس هذه المهام أخلاقيات عمل قوية وقُدرة على العمل بكفاءة ضمن الفريق.
كما وجدت دراسة نُشرت في مجلة "طب الأطفال التنموي والسلوكي" أن الأطفال الذين يبدأون الأعمال المنزلية مُبَكِّرًا يُظهرون مستويات أعلى من الثقة بالنفس والرضا عن الحياة.
وتعليقا على هذه الدراسة، تقول د. خضرة سالم، أستاذ التربية بجامعة الأزهر، عضو اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ: تربية الأطفال لا تقتصر على التعليم الأكاديمي أو التوجيه الأخلاقي فقط، بل تشمل أيضًا تدريبهم على المهارات الحياتية اليومية التي تعزز شخصيتهم وتعدّهم لمواجهة المستقبل.
فالأعمال المنزلية هي المهام اليومية البسيطة التي تتم داخل المنزل، مثل ترتيب الغرف، تنظيف الأرضيات، غسل الأطباق، طيّ الملابس، أو المساعدة في إعداد الطعام. وهي ليست مجرد أعمال روتينية، بل أدوات تربوية فعالة.
- حين يلتزم الطفل بمهمة محددة في وقت معين، يتعلم كيف يكون مسؤولًا عن دوره داخل الأسرة، ويكتسب الانضباط الذاتي.
- إن إتمام المهام بنجاح يمنح الطفل شعورًا بالإنجاز، ويغذي ثقته بقدراته الذاتية.
- العمل المنزلي يُشعر الطفل بأنه جزء من الفريق الأسري، مما يعزز لديه روح التعاون والانتماء.
- يتعلم الطفل من خلال هذه الأعمال مهارات تنظيمية، وإدارة الوقت، وحتى بعض المهارات العملية التي يحتاجها في حياته المستقبلية.
وكما تشير مقالة "وول ستريت جورنال": "إن تكليف الأطفال بالأعمال المنزلية في سن مبكرة يساعد في بناء شعور دائم بالإتقان والمسؤولية والاعتماد على الذات". بعبارة أخرى، قد يكون الغسيل وتنظيف المائدة أكثر قيمة من الكشافة أو فنون الدفاع عن النفس أو الرياضة.فال المشغولون في أعمال منتجة يكونون أقل عرضة للملل والتصرفات غير السوية
من خلال دمج الطفل في الأعمال المنزلية بجانب الأم، لا يتم تلبية احتياجات المنزل فحسب، بل يُعدّ الطفل لمستقبل أكثر استقلالية ونضجاً، ويُقوّي علاقته بأمه وببقية أفراد الأسرة.
o تعزيز الروابط الأسرية من خلال قضاء الطفل بعض الوقت مع والدته، مما يعمّق مشاعر الألفة والانتماء ويسهم في بناء علاقة ثقة وتواصل.
o غرس روح التعاون والعمل الجماعي يتعلم كيف يساهم ضمن فريق (الأسرة)، ويقدّر دور كل فرد في إنجاز المهام المشتركة.
o تنمية المسؤوليّة والانضباط بالالتزام بمهام محددة ومواعيدها، يكتسب الطفل حسّ المسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، ويطوّر قدرته على تنظيم وقته.
o رفع مستوى الثقة بالنفس إنجاز مهمة بسيطة بنجاح (مثل ترتيب المائدة أو طيّ الملابس) يمنحه شعور الإنجاز والقدرة على الابتكار.
o تعلّم مهارات حياتية عمليّة يكتسب الطفل مهارات أساسية كالطبخ البسيط، وتنسيق المنزل، والعناية بالنظافة، وهي مهارات ستفيده طوال حياته.
o تطوير مهارات التواصل وحلّ المشكلات أثناء العمل المشترك تظهر مواقف تحتاج إلى تفاهم وحل مشترك، فيتعلم الطفل الاستماع والتفاوض والقدرة على اقتراح الحلول.
o زرع القيم والأخلاقيّات يصبح لديه احترام لجهود الآخرين وفهم لأهمية المساهمة في واجبات البيت، مما ينعكس مستقبلاً على سلوكه الاجتماعي.
o تقليل الشعور بالفراغ والملل المشاركة النشيطة في نشاط ذي فائدة تقلل من وقت التلهّي بالألعاب الإلكترونية وتُشغل الطفل في عمل بنّاء.
السعادة والرضا
وتؤكد د. شيرين مظلوم- وكيل كلية الآداب بجامعة عين شمس- اتفاقها تماما مع الدراسات السابقة، مضيفة: إن مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية بشكل مناسب للفئة العُمرية يعزِّز من الشعور بالمسئولية والالتزام، وأتّفق مع الدراسة التي تخلص إلى أن انخراط الأطفال في أعمال منزلية مبكّرا يزيد من مستويات ثقتهم بأنفسهم حيث أثبتت دراسات أخري في مجال علم النفس أن الإنجازات يمكن أن تعزِّز إفراز كلٍّ من السيروتونين والدوبامين في الدماغ، مما يؤدّي إلى الشعور بالسعادة والرضا. وعليه فالطفل الصغير- أو الطفلة الصغيرة- الذي يشارك والدته بعض الأعمال المنزلية يشعر بالفخر والرضا، خاصة عندما يتم مدحه للمبادرة في إنجاز الأعمال المنوطة به أو بها.
الالتزام والمثابرة
تضيف د. شيرين مظلوم: كذلك فالمواظبة علي المشاركة في الأعمال المنزلية تخلق عند الأطفال الالتزام والمثابرة خاصة إذا ما حرصت الأمُّ علي خلْق روتين يومي أو أسبوعي للأعمال المسئول عنها الأطفال ومن شأن ذلك أيضا أن يُنمِّي عند الأطفال الإحساس بالوقت وأهميته.
وتؤكد "د. مظلوم" أنه في هذا العصر الذي تنتشر فيه الشاشات في أيدى الأطفال، يصبح الانخراط في الأعمال المنزلية بشكل منظَّم ومنتظم، هو "طوق النجاة للأطفال من إدمان الشاشات".
"شُرَكَاء الأُسرة"
يلتقط خيط الحديث د. منتصر محمود مجاهد- الأستاذ بكلية الآداب جامعة قناة السويس- قائلا: عندما ننظر إلي الأسرة، ننظر إليها باعتبارها وحدة واحدة أو نسيج واحد وإن تعدّد أفرادها، فالكلُّ في مركب في واحد، نعم تختلف المسئوليات بين أفرادها كلٌّ حسب موْقِعه في الأُسرة، ومن ثمَّ فإن الطفل شريك أساسي في الأسرة يتوجّب عليه القيام بمهام بما يتناسب مع سِنِّه وموقعه في دراسته، لماذا؟ كنوع من التعاون والإحساس بالمسئولية داخل الأسرة بأنهم جميعا "شركاء" داخل البيت في كل شئ، حلو الحياة وغيرها.
أما ترك الأطفال دون مشاركة فهو قضاء علي رجل المستقبل ودمار له لأنه لا مسئولية ولا اعتماد علي الذات! يومها يصبح الطفل بعد ذلك إتِّكَالِيٌّ لأنه تعوَّد الحصول على كلّ شئ بدون مجهود.
يضيف د. مجاهد: وإذا قارنّا بين تربية اليوم للأطفال وأجيال ما قبل، لوجدنا الفرق بين الطفل السابق والاعتماد على نفسه ومُعِيْن لأُسرته، وطفل اليوم لا يُبالي بشئ!
وخلاصة الأمر، إذا أردنا أن نجعل من أطفالنا قوّة وجَلَدًا وشهامة واعتمادا على الذات، لابد أن يكونوا في داخل الأسرة شركاء في العمل وتحمُّل المسئولية.
يختتم د. منتصر مجاهد، مؤكداً: ومن ثمَّ فتكليف الأطفال بأعمال منزلية أمر مفيد صحيًّا ونفسيًّا، ويا حبّذا لو كان مبكِّرا، والذي يكون بتوجيه من الوالدين، فهذه الأعمال المنزلية الروتينية تُحْدِثُ نموًّا وتطوُّرًا لدي الأطفال، كما ينمّي الوعي لدي الطفل بدوره داخل الأسرة والإحساس بالمسئولية.
وبناء علي ذلك، فالنصحية التربوية: "اجعلوا من أطفالكم شُرَكَاء لكم، تطمئنوا عليهم في المستقبل".




إرسال تعليق