طيب القول
بقلم..... مصطفى ياسين
كما فضل الله سبحانه وتعالى بعض الناس على بعض، ورفع بعضهم درجات، وفضل بعض الأنبياء والمرسلين على بعض، كذلك فضل بعض الأيام والشهور وجعل لكل منها ميزة عن الأخرى، ومنها شهر رمضان المبارك الذي كرمه وميزه بأفضل الميزات على الإطلاق وهي اختصاصه وتفرده بنزول كلام الله عز وجل فيه، ليس القرآن الكريم فقط الذي نزل في ليلة القدر، كما قال تعالى "إنا انزلناه في ليلة القدر"، بل إن صحف سيدنا ابراهيم والتوراة والإنجيل أيضا نزلوا في هذا الشهر الكريم المبارك، فكانت هذه أعظم وأفضل وأكرم خصائص شهر رمضان المبارك.
ثم كانت باقي الميزات وأعظمها ليلة القدر التي جعلها سبحانه وتعالى لمن اختارهم الخالق من أمة سيد الخلق اجمعين، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فهي "خير من ألف شهر" لمن أخلص النية والعبادة لله، تعويضا لقصر أعمار أبناء هذه الأمة المحمدية مقارنة بأعمار سابقيهم من الأمم.
واذا كانت الأمة المحمدية قد اختصت في شهر رمضان المبارك بالعديد من الانتصارات الحربية في سبيل نشر دين الله، على من يمنعونهم إبلاغ كلام الله ورسالة نبيه، فإن الانتصار الأعظم بلا جدال، هو ذلك الانتصار على النفس الإنسانية وترويضها للتغلب على أهوائها وشهواتها، فكان الصيام أول مدرسة لتهذيب النفس وترويضها وتوجيه "بوصلتها" إلى حيث أراد لها الخالق "قد أفلح من زكاها" وارتقى بها بالتقوى والعمل الصالح، ولم يتبع هواها وميلها نحو المعصية والفجور، متجنبا أن يقع في فخ الخسران "وقد خاب من دساها".
وحينما فهم سلفنا الصالح هذا المعنى الأشمل والأوسع والأعمق لشهر رمضان المبارك، لم يحققوا الانتصار على أهوائهم وشهواتهم فقط، بل أكرمهم المولى سبحانه بالانتصار في كل مجالات الحياة، لذلك ارتبط شهر رمضان لديهم بالانتصار على كل الصعاب التي واجهتهم، فكان النصر حليفهم أينما حلوا أو ارتحلوا.
والتاريخ خير شاهد وهو يسجل ويرصد انتصاراتهم على مر العصور والأزمنة المختلفة، وأبرزها بالطبع الانتصارات الحربية على أعداء الله ورسوله، المانعين لوصول دينه إلى خلقه، والمعتدين على عباده، وأشهرها وأعظمها: غزوة بدر، وكانت في السابع عشر من رمضان، السنة الثانية للهجرة. فتح مكة، في العاشر من شهر رمضان، السنة الثامنة للهجرة. معركة القادسية، رمضان سنة خمسة عشر للهجرة بقيادة سعد بن أبي وقاص. فتح بلاد الأندلس، رمضان سنة 92 هـ بقيادة طارق بن زياد. معركة الزلاقة، وهي في جنوب إسبانيا حالياً كانت في 479هـ. معركة عين جالوت في رمضان 685 هـ، بقيادة السلطان قطز، والقائد العسكري بيبرس. موقعة حطين، رمضان 584 هـ بقيادة صلاح الدين.
ثم نصر العاشر من رمضان 1393هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973م، أعظم الانتصارات المصرية الحديثة، بل العربية والإسلامية في العصر الحديث، صنعها "خير أجناد الأرض"، القوات المسلحة المصرية ورجال شرطتها البواسل، بل شعب مصر العظيم الذي شهد له سيدنا رسول الله، بأنه "في رباط إلى يوم القيامة"، فحطم أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وصهر وأذاب بفضل الله "خط بارليف الحصين"، في سويعات بـ"العبقرية المصرية المتفردة"، التي مازالت تمتلك مقومات القدرة على تكرار هذه الانتصارات في كل وقت وحين، بفضل الله تعالى، كما يؤكد ذلك مرارا وتكرارا الرئيس عبدالفتاح السيسي.
لذلك فإن أهم دروس وعظات هذا الشهر الفضيل، أن نحيي هذه المعاني والمفاهيم الجوهرية لمعنى "رمضان النصر"، في نفوسنا ونفوس كل الأجيال، لا لـ"تحيا مصر" فقط بل لـ"تحيا الإنسانية" جمعاء، خاصة في ظل غياب احترام القوانين الدولية والحقوق الإنسانية، وغلبة قانون الغاب! الذى تنهجه للأسف الشديد القوى الكبرى التي من المفترض فيها الحيادية والموضوعية وإقرار السلام والأمن لضمان الاستقرار العالمي!
لكن الأهم الآن ونحن نتنسم نفحات الشهر الكريم، ونحيا أيامه ولياليه المباركة، أن نستحضر ونستلهم تلك المعاني والمفاهيم التي أدركها سلفنا الصالح من هذا الشهر الفضيل، وكل عام والجميع بخير وأمن وسلام، في "رمضان النصر" وكل الأوقات والأعوام.
إرسال تعليق