لا يختلف أحد على أن مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كان نقطة فارقة فى حياة البشرية جمعاء، بل الكون بأسره، فهو لم يأت للناس فحسب، وإنما جاء رحمة للعالمين، عالم الإنس والجن، وأيضا عالم الملك والملكوت، وجميع الكون، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" (سورة الأنبياء 107).
فحق للكون كله أن يفرح به، ويحيى يوم مولده، بالطريقة والشكل الذى يناسبه، طالما أنه لم يرتكب إثما أو يخرج عن قيم ومبادئ الدين، ولم يضر أحدا، وقد روى ابن حبان: (جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ متى قيامُ السَّاعةِ؟ فقام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الصَّلاةِ فلمَّا قضى الصَّلاةَ قال: (أينَ السَّائلُ عنِ القيامةِ)؟ قال الرَّجُلُ: أنا يا رسولَ اللهِ قال: (ما أعدَدْتَ لها)؟ قال: يا رسولَ اللهِ ما أعدَدْتُ لها كبيرَ صلاةٍ ولا صومٍ إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (المرءُ مع مَن أحَبَّ وأنتَ مع مَن أحبَبْتَ) فقال أنَسٌ: ما رأَيْتُ المُسلِمينَ فرِحوا بشيءٍ بعدَ الإسلامِ مِثْلَ فرَحِهم بها).
فهل بعد هذا نتجادل ونضيع وقتنا فى سفسطة وتراشق بالاتهامات التكفيرية والتفسيقية والتبديعية؟! لماذا يشغل الإنسان نفسه بالحكم على أخيه ولا يتركه يحب رسوله الكريم كما أراد، فكل فرح بقدر المحب لمحبوبه، المهم أنه ضمن مرافقة محبوبه يوم القيامة.
فليشغل كل منا نفسه بحاله، وليترك الآخرين وشأنهم، ولا ينصب نفسه مسئولا عن إدخال الجنة أو الحرمان منها!
المهم، أن نحب بعضنا بعضاً، وألا ندبر المؤامرات أو أن نكيد المكائد، ثم نجعل من أنفسنا آلهة، نحاسب هذا ونعفوا عن ذاك.
فعلامة الحب الصادق أن يكون المحب بشوش الوجه، يحب الخير للجميع، حتى عدوه ومن يكرهه، يقدم له الحب الذى امتلأ به قلبه حتى يجعله حبيبا بدلاً من عداوته له، كما يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة فصلت: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)".
فاللهم املأ قلوبنا بحبك وحب نبيك ورسولك، حبا فى لقياك ومرافقة نبيك، لا خوفاً من نارك وعذابك، واجعلنا من المحبين لمن يحبك ويحب حبيبك ومصطفاك. ولا تجعل حبنا مرتبطاً بوقت وميلاد مولده فحسب، بل اجعل حبنا لك سبحانك ولنبيك، حبا دائما أبدا، نمارسه فى حياتنا مع كل خلقك ومخلوقاتك بلا استثناء، وأعنا على هذا الحب، ولا تجعلنا من الغافلين أو الذين "...يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُون" [الشعراء: 226].
وكل عام والجميع بخير وسعادة وحب وتراحم، فى ذكرى مولد الرحمة والمغفرة لجميع خلق الله.
إرسال تعليق