أسباب الاختلاف حول "عاشوراء"


كتبت- مروة غانم:

يعد يوم عاشوراء من العلامات البارزة، ليس فى التاريخ الاسلامى وحده، إنما فى تاريخ الانسانية بشكل عام، حيث قيل أنه اليوم الذى غفر الله فيه لآدم ذنبه وقبل توبته. وإن كانت هذه الرواية غير مؤكدة لكن المؤكد أنه اليوم الذى نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون وجنوده، وصار يوم عيد لأتباع موسى يحتفون به كل عام. ولما قدم النبى المدينة ورأى احتفالهم بهذا اليوم قال جملته الشهيرة "نحن أحق بموسى منهم" وصام وأمر أصحابه بصيامه.

ثم حدثت بعض الأحداث التاريخية فيه، ووقع مقتل الحسين رضى الله عنه فى ذلك اليوم، فظهر تعاطى جديد مع ذلك اليوم من قبل الشيعة حيث نراهم يصرخون فيه ويندبون ويضربون وجوههم تكفيرا لذنوبهم على تخاذلهم عن الدفاع عن الحسين رضى الله عنه، لكن مازال أهل السنة والجماعة يحيون عاشوراء بصيامه اتباعا للنبى.

حول عاشوراء والاحداث التاريخية التى مرت به، تحدث إلينا علماء الأزهر، حيث قال د. محمود عبده أستاذ التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر: عاشوراء من أيام الله المباركة، ومن نفحاته الكثيرة التى أفاض فيها الله على عباده، فنجى بعضهم من الهلاك، وغفر لبعضهم ذنوب عام سابق، وجعلها باقية للمسلمين ما بقيت الحياة.

أضاف: توجد بعض الروايات لكنها لم _تثبت حديثيا_ تقول بأن عاشوراء هو وقت خروج أدم من الجنة وتوبته إلى ربه، كما توجد روايات أخرى ترجع تاريخه الى عهد نوح عليه السلام، مثل التى أخرجها أحمد بن حنبل بسند ضعيف وهى زيادة على رواية الصحيحين, من مرور النبى بأناس من اليهود، وقد صاموا عاشوراء فلما سألهم صل الله عليه وسلم عن سبب صيامهم؟ أجابوه بأنه اليوم الذى نجى فيه الله عز وجل موسى وبنى اسرائيل من الغرق وغرَق فيه فرعون. فقال النبى:" أنا أحق بموسى ,وأحق بصوم هذا اليوم", فصامه وأمر أصحابه بالصوم. وقد روى الطبرى عن ابن عباس اذ ذكر أن نوحا ومن معه ركبوا فى السفينة يوم العاشر من رجب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يوم عاشوراء.

وشدد على أن التاريخ الثابت ليوم عاشوراء يبدأ من عهد موسى عليه السلام حيث نجاه الله وبنى اسرائيل من الهلاك على يد طاغية الأرض فرعون مصر آنذاك, الذى ادعى الألوهية, ولما أرسل الله موسى وهارون إليه ودعواه الى الايمان بالله استكبر وأبى رغم اقامتهم الحجة عليه بمعجزات بينات, منها هزيمة سحرته أمام معجزة الله التى أجراها على يد نبيه موسى وايمانهم برب موسى وهارون, لكن فرعون جحد وطغى وقال:" أنا ربكم الأعلى" ورفض أن يطيع أمر الله بإرسال بنى اسرائيل مع موسى, ولما خرج موسى بهم طاردهم فرعون بجنوده حتى أدركهم عند البحر , فظن بنو اسرائيل أن الهلاك واقع بهم لكن موسى طمأنهم بمعية الله له ونجاته لهم كما جاء فى قوله تعالى:" فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معى ربى سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك الحجر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين" الشعراء ايه 60 - 66.

وكان هذا الحدث الجلل يوم عاشوراء فى تاريخ بنى اسرائيل خاصة وفى السجل الانسانى عامة. لذا صام موسى هذا اليوم شكرا لله على نجاته وقومه.

اليهود بعد موسى

ولفت د. صابر السيد، عميد كلية اللغة العربية بأسيوط، الى أن اليهود بعد موسى اتخذوا عاشوراء عيدا لهم كما ورد عن أبى موسى الأشعرى حيث قال :"كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا وكان أهل خيبر يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم"، واستمر الناس يصومون يوم عاشوراء بعد موسى من غير بنى اسرائيل، فكانت قريش تصومه فى الجاهلية كما قالت عائشة رضى الله عنها :"كان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية وكان يوم تستر فيه الكعبة" وهذا دليل على مكانة وعظمة هذا اليوم.

أشار الى أن رسالة النبى جاءت مكملة لكل الرسالات السماوية لذا اتسق موقفه من عاشوراء مع موقف أخيه موسى فلما قدم المدينة رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ,فقال :"ما هذا ؟" قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بنى اسرائيل من عدوهم فصامه موسى. فقال النبى:" فأنا أحق بموسى منكم" فصامه، وأمر بصيامه وكان يحث أصحابه على صيامه ويتعاهدهم عنده. وكان هذا قبل فرض صيام رمضان, فلما فرض الله صيام رمضان اختلف أمر وحكم صيام عاشوراء وقال :"من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه. فكان البعض يصومه والبعض يتركه لكن بين النبى ان صيامه له أجر عظيم حيث ورد عنه:" صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله"، وفى رواية "يكفر السنة الماضية", وورد عن ابن عباس قوله :"ما رأيت النبى يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعنى شهر رمضان".

عاشوراء عند الشيعة

أما عن عاشوراء عند الشيعة فأوضح د. صابر أن عاشوراء يصادف يوم استشهاد الحسين رضى الله عنه  والذى يعد من أخطر الاحداث الدموية للأمة الإسلامية فى العصر الأموى اذ تعاد فيه ذكرى استشهاده ويقوم الشيعة بداية من مطلع محرم وحتى يوم عاشوراء ولمدة أربعين يوما يقيمون فيها المجالس فى الحسينيات والساحات ومختلف الأماكن ويوزعون بعض المأكولات والمشروبات كما تقرأ الأشعار وغيرها مما تذكر فيه تلك الذكريات الاليمة والأحداث الدامية ويدعى فيها لفك محبس المهدى, وقد تشهد تلك الاحتفالات مشاهد دامية تعبيرا عن الذنب من عدم نصرة الحسين وخيانته بترك الدفاع عنه ضد جيش عبيدالله بن زياد والي يزيد بن معاوية، فعاشوراء عند الشيعة يحمل أسوأ ذكرى فى انتمائهم المذهبى وفى تاريخ أئمتهم.   

انتصار الحق

وأنهى حديثه بقوله: يبقى يوم عاشوراء عند المسلمين يحمل كافة ذكرى انتصار الحق على الباطل فى واحدة من أهم وأظهر صورة فى التاريخ, بسحق الإله لمن زعم أنه رب وإغراقه وجنوده, بل ونجاة جسده ليكون أية لمن خلفه وكذلك ذكرى نجاة نبى الله موسى وقومه من الهلاك بالغرق وتعظيم نبينا لهذا اليوم بصيامه شكرا لربه واتفاقا مع أخيه موسى.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم