بقلم: السيد سالم جابر الجازولي
عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، شيخ الطريقة الجازولية الحسينية الشاذلية
على مدار تاريخ الأمم والشعوب توجد لحظات فارقة، يتم تسجيلها وتتناقلها الأجيال عبر العصور والأزمنة، سواء كانت تلك اللحظات زهو وانتصار أو خزى وانكسار.
وكذلك في تاريخ الأوطان لحظات فارقة تُعيد تشكيل الوعي، وتُثبت ملامح الهوية، وتُؤسس لمستقبل جديد، ومن هذه اللحظات الحديثة والتي مازالت عالقة في أذهاننا جميعا، ثورة 30 يونيو 2013، فهى إحدى هذه اللحظات الحاسمة في مسار الدولة المصرية الحديثة، حين خرج الملايين إلى الشوارع والميادين، ولم يكن الحراك مجرد اعتراض على واقع سياسي، بل كان إعلانًا شعبيًّا صريحًا باستعادة الهوية الوطنية، ورفض محاولات طمسها أو اختطافها.
تلك الهوية آلتي صنعتها الأمة المصرية على مدى تاريخها الممتد عبر الزمن السحيق، وتميزت بالتفرد والخصوصية غير المسبوقة ولا المكررة، والتي ستظل مصدر إلهام لأجيال كثيرة قادمة، ليس لأبناء هذا الوطن الغالي مصر فحسب، بل لكل الشعوب والمجتمعات الإنسانية.
لقد جاءت هذه الثورة امتدادًا لتاريخ مصر العريق في الدفاع عن ذاتها وكيانها، وانطلاقة حقيقية نحو بناء دولة حديثة تتسق مع إرادة الشعب وتليق بعظمة مصر وتاريخها.
لقد كشفت ثورة 30 يونيو 2013 عن معدن الشعب المصري الأصيل، وعن وعيه العميق بحقيقة ما يُهدد هويته الحضارية والثقافية، فكانت انتفاضته ضد محاولات تفكيك الدولة، وهو ما أطلقوا عليه وقتها مصطلح "الدولة العميقة"، انطلق الشعب بكل فئاته وطوائفه، دفاعًا عن تاريخه ومؤسساته ومقدراته.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت مصر تخطو بثبات نحو استعادة دورها الإقليمي والدولي، وترسيخ قيم المواطنة والعدل وسيادة القانون، لتؤكد للعالم أن الشعب الذي صنع الحضارة قادر دائمًا على أن يصنع المستقبل.
كانت ثورة 30 يونيو 2013 صرخة وعي، وصيحة أمل، جسدت فيها الإرادة الشعبية أسمى معاني الوطنية والانتماء، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من العمل والبناء، تتصدرها قيم المواطنة، والاستقرار، والتنمية، والتقدم.
لقد كانت الـ30 من يونيو 2013 لحظة تاريخية فارقة ليس في مصر فقط، وإنما في المحيط الإقليمي والدولي كله، لما جسدته من لحظة ميلاد أمة كانت وستظل بإذن الله، مصدر إلهام ومشعل نور وحضارة على الدوام للبشرية جمعاء.
وهكذا هي مصر دائما وأبدا التي "تحيا" بعقول وسواعد أبنائها، مستندة إلى رعاية الله وحفظه لأفضل بقعة ميزها بالتجلي عليها.
ودورنا هو الحفاظ عليها في ظل التحديات التي تتهددها، وأول سبل المحافظة، التسلح بالوعى والعلم والمعرفة، والاصطفاف والتوحد على قلب رجل واحد.
حفظ الله مصر وأهلها من كل مكروه وسوء.

إرسال تعليق