فى مستعمرات وادى النيل البريطانية وردود الفعل الاوغندية حولها
كتب- مصطفى ياسين
صدر كتاب مهم للاستاذ الدكتور احمد عبدالدايم محمد حسين، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، وعنوانه "صورة الملك فاروق فى مستعمرات وادى النيل البريطانية وردود الفعل الاوغندية حولها 1948-1952". والكتاب يتجاز الـ 200 صفحة وصادر عن دار المكتب العربى للمعارف سنة 2025.
اهمية الكتاب تنبع من كونه يعالج صورة الملك المصرى فى وادى النيل. حيث تكاثرت الأقاويل حول الملك فاروق، على المستويات الدولية والأقليمية والمحلية فى السنوات الأربع الأخيرة من حكمه. وساهمت تلك الشائعات فى تكوين صورة سيئة عنه فى شتى مناطق العالم، ومنها بلدان ومستعمرات وادى النيل. ومع أن فاروقاً يتحمل قسطاً من مسئولية تلك الصورة، إلا أن بريطانيا كانت هى المسئول الرئيس عن تكوينها وإخراجها على المستوى الدولى. ولعل دورها عبر مستعمرات وادى النيل البريطانية، طوال الفترة من 1948- 1952، يعد تلخيصاً لدورها فى عملية إنتاج تلك الصورة وترويجها. فمع انتشار وتمدد حركات التحرر الوطنى فى مستعمراتها الأفريقية بعد الحرب العالمية الثانية، ومع عدم قدرتها على الدخول فى مواجهات مع كل الأطراف فى اَن واحد، كان من الطبيعى أن تبحث عن شخصية مشوهه من حكام تلك المستعمرات، أو تعمل هى على تشويهها، لتقديمها لرعاياها الافريقيين، كمثال سيئ للحكم الوطنى. ولتوقف هذا الزحف القادم من مستعمراتها النيلية نحو التاج المصرى، والراغب فى وقوف مصر وملكها مع مطالبه المشروعة فى الحرية والاستقلال. وبالطبع هى تعلم أن تقديم تلك الصورة السيئة لفاروق، سيكون له تأثير كبير فى تغيير وجهة نظر أهالى تلك المناطق، ضد هذا الإنجراف نحو مصر وملكها. وضمانة أكيدة لتأخير استقلال تلك المناطق لأكثر من عقد من الزمان.
ويسعى الكتاب لبناء تفسير جديد للأعوام الأربعة الأخيرة من عمر الملكية المصرية. مدركا بأن تقديم صورة فاروق فى الخارج الاقليمى، لم تكن جزءاً من فلسفته فى تقديم نفسه لتلك العوالم المحيطة. فالصورة التى رُسِمَتْ له فى تلك المنطقة او غيرها، لم تعتمد على مقابلات شخصية للملك مع شخصيات من تلك المناطق، دس فيها فاروق ما أراده من معلومات ترفع من قدره أو تحط من شأنه. بل يمكن القول بأن الملك ساهم فى عرض نفسه بشكل غير مباشر. مستجيباً للتقدم الاعلامى فى ذلك العصر، وشغف الصحافة الأوربية به، فساهم فى نشر تلك الصورة عنه عبر العالم أجمع ، وليست داخل هذه المناطق فحسب.
ومنذ أن دخل القرن العشرين فى عقده الثانى، كان البريطانيون قد ثبتوا أقدامهم فى أنحاء متعددة فى افريقيا. ولما كانت مصر لها خصوصية داخل هذه المستعمرات البريطانية، حيث كانت محمية، وشريكة لبريطانيا فى حكم السودان طوال الفترة من 1899- 1956، كان من الطبيعى أن يحظى ملكها بإهتمام، أو تجاهل، داخل تلك المستعمرات. حسب موقف السلطات البريطانية منه، وحسب موقف الافارقة المضاد للحكم الاستعمارى، وحسب اهتمام المملكه المصرية بافريقيا. فبحكم امتداد السيطرة المصرية حتى قرب خط الاستواء، ووجود حدود مشتركة مع كثير من الدول الافريقية النيلية، حدث اهتمام مصرى كبير بتلك المناطق المشتركة.
ودراسة صورة الملك فاروق فى مستعمرات شرق افريقيا البريطانية وأوغندا، لم يتطرق إليها أحد بالدراسة، ومن ثم فإنها تعد جديدة فى مضمونها ومحتواها. وهو الأمر الذى فرض علي المؤلف أن يطرح فى مقدمته العديد من التساؤلات، علها تنجح فى تقديم إجابات شافية عنها، أهمها: من المسئول عن تشكيل تلك الصورة السيئة للملك فى السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه؟ وهل كانت تلك الصورة تعكس صراعاً داخل النخبة السياسية المصرية؟ أم تقر بغلبة الفريق الموالى لبريطانيا، وتجلى دوره فى رسمها؟ أم هى بريطانيا تقف وراء هذا التشويه فى الداخل والخارج، حتى تحين ساعة الإجهاز على حكمه؟ ولماذا أنتجت هذه الصورة فى اتحاد جنوب افريقيا وأوغندا ؟ وهل صورة الشخص فى مكان اَخر تعبر عن مكانته، ومكانة البلد الذى يحكمه؟ أم أن مكانة الحاكم يمكن أن تهوى إلى القاع، بينما ترتفع مكانة القطر الذى يحكمه إلى عنان السماء؟
وفى هذا الاطار تم تقسيم الكتاب الى بابين رئيسيين: الباب الأول، وعنوانه " صورة الملك فاروق فى مستعمرات وادى النيل البريطانية 1948-1952( أوغندا نموذجا)" ويضم ست محاور رئيسية. أولها، صورة الملك فاروق فى افريقيا البريطانية قبل سنة 1950. ثانيها، صورة الملك فاروق فى العالم 1950-1952. ثالثها، صورة الملك فاروق فى شرق افريقيا البريطانية. رابعها، صورة الملك فاروق فى إتحاد جنوب افريقيا. خامسها، صورة الملك فاروق فى أوغندا. سادسها، ردود فعل الملك فاروق والإدارة المصرية على ترويج صورته المشوهه فى أوغندا.
أما الباب الثانى، وعنوانه " إدريس عامر البوغندى وايصال رغبة اوعندا فى رعاية الملك فاروق ووحدة وادى النيل 1948-1952"، فيتناول سبعة محاور رئيسية. أولها، التعريف بشخصية إدريس عامر البوغندى. ثانيها، علاقته بحزب الباتاكا ووحدة وادى النيل فى ظل الملك فاروق. ثالثها، دوره الوطنى . رابعها، حيله المشروعة. خامسها، حيله غير المشروعة. سادسها، مطالباته بشأن إنضمام أوغنده لمملكة وادى النيل المصرية. سابعها، تفاعل الإدارة المصرية مع مكاتباته.

إرسال تعليق