تحياه مصر.. واقعا عبر تاريخها العريق.. "رمضان- مارس"
الهلال والصليب.. في تزامن الصيامين (رمضان والصيام الكبير)
كما تزامن الصيامان، صيام شهر رمضان المبارك، والصيام الكبير، يتعانق الرمزان، الهلال مع الصليب، وكأن الله أراد أن يؤكد بقدرته الكونية على تزامن الصيامين، تعميق الوحدة الوطنية وتقوية النسيج الاجتماعي الواحد للمجتمع المصري، بجناحيه المسلم والمسيحي.
وينعكس هذا التعانق على مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان المعظم وصيام المسلمين، وكذا الاحتفال بالصيام الكبير للأخوة المسيحيين، في تزيين الشوارع والميادين بالأنوار والفوانيس وأوراق الزينة، عن طريق فرق المتطوعين من أبناء كل منطقة وحي، خاصةً شبابها الذين يتسابقون على تجميل شوارعهم ومنطقتهم، لاستقبال الأيام المباركة بالفرحة والبهجة والسرور.
تقليد سنوي
حول هذه المظاهر يقول أحمد الجندى، موظف بشركة we: احتفالنا بقدوم شهر رمضان المعظم يكون سنوياً بتزيين الشارع، حيث يتطوع أحد السكان بجمع المساهمات من الجيران، ويتولى التنسيق مع الشباب المتطوعين لتركيب الزينة.
توارث الأجيال
يلتقط خيط الحديث حمادة أبو زيد، أعمال حرة، مؤكداً أن هذا تقليد توارثته الأجيال عبر العصور المختلفة، فهو يعبر عن التمسك بالعادات والتقاليد الاجتماعية التي تظهر الفرحة في استقبال المواسم والمناسبات الدينية، وأبرزها شهر رمضان المبارك.
المشاركة الوجدانية
يتدخل أيمن شوقي، سائق نقل ثقيل، مؤكداً أن المشاركة في مثل هذه الاحتفالات تعبير عن الترابط الاجتماعي والمشاركة الوجدانية فيما بين الناس في الشارع أو المنطقة الواحدة.
ليلة الرؤية
ويشير إسلام رجب، إلى أنه اعتاد منذ فترة الصبا على المشاركة في عملية تزيين الشارع بالأنوار والفوانيس لاستقبال شهر رمضان المعظم، ومعه شقيقه محمد وأصدقاؤه أيمن أبو زيد، محمد حسن، حيث يجتمعون وبعض الشباب قبيل حلول الشهر الكريم بأيام قليلة أو ليلة الرؤية، ولا ينامون إلا بعد إضاءة الشارع بالكامل.
تطبيق عملي
وتطبيقا لوحدة النسيج الوطني المصري، تبرع سامح سمير، صاحب ورشة نجارة، بصنع فانوس رمضان، كبير الحجم، وجسد عليه صورة التعايش والترابط فيما بين النسيج الوطني المصري الواحد، حيث يظهر الهلال محتضنا في قلبه الصليب، ليضيئ الشارع طوال أيام الشهر الكريم. قائلاً: الحمد لله كلنا واحد في مصرنا الحبيبة، لذلك ففرحتنا بقدوم شهر رمضان المبارك هي نفس فرحتنا بالصيام الكبير.
فانوس رمضان
ونفس الشيء فعله ماركو منير، صاحب ورشة نجارة، حيث تبرع بـ"كابل" كهرباء جهد عالى، يتحمل عدد اللمبات التي تضئ الشارع، مشيراً إلى أنه صنع بيده فانوس رمضان بشكل تقليدي تعبيراً عن التراث الشعبي المصري.
التماسُك العَقَدِي
ويقول الحاج سامح الشافعي، تاجر قطع غيار سيارات: مِنْ فضلِ الله على أُمَّتِنَا المصرية، أن يتزامن حلول شهر رمضان المبارك مع الصيام الكبير للأخوّة المسيحيين، ليزيد من عُرَى الترابط الاجتماعي والتماسُك العَقَدِي، كلٌّ بِدِيْنِه وشعائِرِه، فضلاً عن المشاركة الوجدانية والاتجاه نحو إلهٍ واحدٍ نعبُدُه جميعا، فنجد التقارُب الديني الذي يُقَرِّبُ النفوس ويُصَفِّي القلوب من شوائب الدنيا ويجعلها أكثرَ قُرْبًا وتَقَرُّبًا إلى الله، بالإكثار من الطاعات واجتناب الموبقات.
وإذا كان رمضان في مصر "حاجَةَ تانيّة"، من حيث المظاهر والاحتفالات والعادات والتقاليد غير الموجودة في المجتمعات المُسْلِمة الأخرى، فإن الصيام بنوعيه، صيامُ رمضان أو الصيامُ الكبير، هو الآخر حاجة بل "حاجات تانية كتير". صيامٌ يجعلنا بعيدين عن أقوالٍ وسلوكياتٍ خاطئةٍ كثيرة كنّا نقعُ فيها ونَرْتَكِبُها، سواءً عن جهل أو عَدَم قَصْدٍ، فكأنَّ اللهَ أراد أن يُطَهِّرَ قلوبَنا من تلك الزَلَّات، فشاءت حكمتُه سبحانه وتعالى أن تتزامن المناسبتان، في وقتٍ أشدٍ ما نكون فيه للتقارُب والتعاضُد والتعاون، حتّى نكون يدًا واحدةً، وعلى قلْبِ رجلٍ واحدٍ، في مواجهة التحدّيّات والصعوبات الكثيرة والمتعدِّدة، سواء الداخليّة أو الخارجيّة، وأخطرها على الإطلاق التهديدات الأَمْنِيَّة على الحدود المصرية في كلّ الجبهات والاتجاهات.
الاصطفاف الوطني
يتدخل يحيى الشافعي، مؤكداً أن تلك التهديدات تفرِضُ علينا جميعا التَرَفُّعَ عن صغائر الخلافات وتوافِه الأمور، وتعظيم فريضة "الوعي"، وواجب الاصطفاف الوطني، لأن التحدّيّات التي تواجهنا ليس لها بديلٌ إلا أن "نكون"، فنحن أُمَّة لا يمكن لها إلا أن "تكون"، فهي الأُمَّة المحروسة بـ"عَيْنِ الله" ورعايته، وقد شَرَّفَها المولى عزَّ وجلَّ بوجود آل بيت سيّدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- والتابعين والصالحين في كلّ العصور.
وفريضةُ الصيام كمَا جَمَعَتْنا كـ"مصريّين، مسلمين ومسيحيين"، على نَقَاء القلوب وصفاء الصُدور، فهي أيضا تجمَعُنا على المحبَّة والإخلاص والانتماء لوطن نفديه بأرواحنا وكلّ ما نملك من غالٍ ونَفِيْسٍ للحفاظ عليه حُرًّا أَبِيًّا.
"التَسَلُّحِ بالوعي"
ويحذر محمد الشافعي، من أن أخطر التحدّيات التي علينا مواجهتها كـ"شعب"، هي نتاج حروب الجيل الخامس التي تستهدف تفتيت جَبْهَتِنا الداخليّة، وبثِّ رُوح التشاؤم واليأسِ والإحباط، من خلال نَشْر الفِتَنِ والشائعات، ولا يكون ذلك إلا بـ"التَسَلُّحِ" بالوعي والإدراك، والالتفاف حول قيادتنا الوطنيّة، والحرص على أبطالنا من قوَّاتنا المُسَلَّحة ورجال شُرْطَتِنا البواسِل، الذين وَهَبُوا حياتهم فِدَاءً لله والوطن، لـ"تحيا مصر" كما أرادها الله، مرفوعة رايتُها خفَّاقة عالية، بسواعد وعقول أبنائها وبناتها المُخْلِصِين الشُرفاء الأوفياء. فاللهم احفظ مصر وأهلها الطيّبين من كلِّ مَكْروهٍ وسوءٍ، بِحِفْظِك ورعايتك يا الله.
تفاصيل صناعة فانوس الوحدة الوطنية، في الفيديو التالى.
إرسال تعليق