MrJazsohanisharma

الموائد الرمضانية.. في الشوارع الأسوانية

دواوين لحل المشكلات.. وعقد الزيجات.. وضيافة ابن السبيل

على الضبعة: أحد مظاهر الترابط الاجتماعي

حمدى المحفوضي: فرصة لتبادل الخبرات وتواصل الأجيال

تتوارث الأجيال المتعاقِبة في محافظة أسوان، العديد من العادات والتقاليد المرتبطة بشهر رمضان المبارك، بدءًا من المأكولات والمشروبات المتفرِّدة والخاصة بالمجتمع الأسواني دون غيره، حتى أن هناك بعض المأكولات والمشروبات بدأت تندثر شيئاً فشيئًا ولم تعد الأجيال الجديدة تُتْقِن فنَّ صنعتها وبالتالي عدم تناولها!

فهناك مشروب "الأَبَرِيِه"، الذي كان مشهورا جدا في ستينيات القرن الماضي، ويُعرف في السودان بإسم "الحلو مُرّ"، وكانت صنعته وتجهيزه مسئولية الجِدَّات من كبار السن، حيث تتم صناعته- كما تقول سعدية باغر-: من دقيق القمح ويخرج فى طبقات رقيقة جدا مثل الرُقاق أو كما تعرفه الأجيال الحالية بإسم "الكريب"، ويتم طحنه مع مزيج من دقيق الذُرة وملح وماء ويُعجن جيدا ويُترك يومين ليتخمَّر، وبعد ذلك يُخبز على صاج "الدُوْكَة"، صاج ثقيل يُوضع على النار، حيث يُفْرَش العجين بطريقة دائرية مكوِّنا طبقة رقيقة جدا عن طريق مَسْطرة أو خَشَبة نصف دائرية مخصّصة لعمل الأَبَرِيِه أو باليد وتُرفع سريعا بالسكِّين قبل أن يَحْمَّر وتُوضع علي الطَبَق أو الصينية حتى يبرُد تماما، ثم يتم تفتيته إلى قِطع صغيرة الحجم تُوضع فى أكياس قُماش ليحتفظ بتهويته وجفافه.

ومشروب" الأَبَرِيِه" هو الأشهر على المائدة الأسوانية ويُجَهَّز لها قبل رمضان بفترة، وغالبا فى شهر شعبان، حتى يكون جاهزاً لإهدائه إلى الأهل والأقارب، وهو أحد مظاهر التكافل الاجتماعى، ويُقدَّم كمشروب ساقع يعمل على ترطيب الجسم من حرارة الجو ليمنع الإحساس بالعطش، وهو الجو العام في الجنوب.

"الدَبَجِيْجَة"

 تلتقط خيط الحديث فاطمة عبده الكلحى، قائلة: وهناك أكلة "الدَبَجِيْجَة"، عبارة عن بامية ناشفة مطحونة يتم طبخها مثل الملوخية الناشفة، وأيضا "العَصِيْدَة" عبارة عن دقيق ذُرَة يتم عجْنه بالعَسَل الأسمر أو السُكر مع السَمْن البلدي، وتؤْكَل في أطباق صغيرة.

وتتدخل أمنية عبدالرحيم، من جيل الوسط، قائلة: كذلك يوجد "الخَمَّرِيِد"، وهو سيّد طعام المائدة لأنه سهل الأكل سريع الهضم، لا يُتعب المِعْدَة ولا يُثْقِل الجسد عن صلاة التراويح والقيام، وهو عبارة عن دقيق ذُرَة عِوِيجَة "الذرة البيضاء"، وخميرة وقليل من الملح، وتصبح عجينة سائلة تُوضع على "الدوكة"، تشبه كثيرا رُقَاق الفطائر، ولكنه طَرِى، يتم تقطيعه لُقَيْمَات صغيرة فى "فَتَّة" بالملوخية.

تضيف: وقد تعلمته من حماتي، رحمها الله، ورغم إقامتي في القاهرة، إلا أني أحرص على صنعه، واستقدام دقيقه من أسوان، نظراً لأن زوجي يفضله في رمضان.

الإفطار خارج المنزل

وإذا كانت هذه بعض المأكولات والمشروبات الأسوانية الخاصة، فهناك الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية والاقتصادية أيضا المتفردة، وأهمها: الإفطار خارج المنزل، حيث يخرج كل صاحب منزل بـصينية الأكل وتتجمَّع كل مجموعة جيران فى "المَلَقَة" أو الساحة أمام البيوت، وخاصة الموجودة على الطُرُق السريعة أو الشوارع بصفة عامة.

فيؤكد الحاج علي الضبعة، تاجر بَلَح وفاكهة، أن هذه العادات توارثوها أَبَاً عن جِدٍّ، قائلا: لقد نشأت ووجدتُ جَدِّى الكبير يفعل ذلك بالتعاون مع جيراننا، ثم استمر والدى من بعده، رحم الله الجميع، وها نحن نسير على دَرْبِهم، صحيح أن الأمر قد يكون أقل من السابق للتغيّرات الحياتية المتعدّدة، لكننا نُصِرُّ على التمَسُّك بتلك العادات والتقاليد التي تُقَرِّبُنا من بعضنا، فهناك بالفعل الكثير من المشكلات تُحَلُّ على صينية الإفطار، بل أيضا الكثير من الزيجات تتم بسبب هذا النوع من التقارب الاجتماعي.

مجموعات عُمْريَّة

ويقول أنور عبدالظاهر، بالمعاش: يتم تقسيم الصواني إلى مجموعات حسب الأعمار السِنِّيَّة، الكبار، الشباب، الأطفال، فيتبادلون الحوارات والنقاشات حول كل القضايا المجتمعية.

يتدخَّل حمدي طه المحفوضي، إدارة الأوقاف، مؤكداً أن هذا التقليد يزيد من العلاقات الاجتماعية والروابط العائلية، وتبادل الخبرات بين الأجيال المختلفة.

ويشير حسين الشروني- بالمعاش- إلى أن هذه الموائد الرمضانية في الشارع تكون فرصة لحل الكثير من المشاكل التي قد تنشأ نتيجة التعاملات اليومية في الزراعة أو التجارة وغيرها، فتذوب الخلافات قبل استفحالها.

يؤيِّده محمود أبو الحسن- مقاول- موضحا أن هذه الموائد تستضيف المارَّة المتأخِّرين في أشغالهم سواء الزراعية أو الوظيفية، بل إن المسافرين بين المحافظات نُجْبِرهم على التوقُّف قُبيل أذان المغرب لتناول الإفطار فلا مجال هنا للتهرُّب من واجب الضيافة.

مصدر المحبَّة

ويؤكد الحاج بغدادي الشروني، ويحيى على عبدالسيد- مزارع- أن هذه الموائد تتكوَّن من خيرات الله، فكلُّ بَيْتٍ يخرج أفضل ما لديه، حيث تستعد رَبَّات البيوت وبمساعدة بناتهن لتجهيز الصينية بما لذَّ وطاب فهي تُقدَّم أطيب ما لديها لله قبل الضيوف، وهذا ما يجعل في موائدنا البَرَكَة والخير، فهو نوع من التكافل الاجتماعي والتقارب الذي يخلق المحبَّة والسلام بين أفراد المجتمع.

ويتطرَّق مصطفى طه حامد، وأحمد عبدالموجود- من جيل الوسط- إلى جانب مهم تخْلُقه تلك الصواني ألا وهو التواصل بين الأجيال وتناقُل الخبرات والتجارب الحياتية، حيث يتعلَّم الأطفال والشباب من كُبرائهم كيفية التعامل مع المواقف المختلفة، من خلال الاستماع إلى حكاياتهم وتجاربهم، وهذا ما نفتقده في ظلِّ صَخَبِ التكنولوجيا الحديثة والدراما التليفزيونية التي تُغرق الشباب في بحور من العوالِم الافتراضية والخيال، ففي وقت الإفطار كلّنا نهجر التليفزيون والتليفون ونتفرَّغ فقط لجلسات الزمن الجميل.

يتَّفق معه محمد عرفة، قائلا: رغم أنّي أجِدُ صعوبة في ترك المحمول أو الابتعاد عن برامج التليفزيون، في بداية الشهر الكريم إلا أنه مع المُتعة والفائدة التي أتعلَّمُها من خلال مجالَسَتى للكبار، أجدُ نفسي غير مهتم بمتابعة السوشيال ميديا ولا البرامج التليفزيونية، حيث نذهب بعد الإفطار لصلاة التراويح.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم