بقلم: د. محمد غاني.. باحث إسلامي مغربي
تتعدد طرق تعليم الرحمن للإنسان تعددا لا نهائيا في المناهج والأساليب بحسب استعداد العبد للاستقبال وتبعا لتوجه العبد لمولاه.
"الرحمن. علم القرآن. خلق الانسان. علمه البيان"، ومن تعليم الله للإنسان البيان، تعليمه النطق بلغات وألسن مختلفة، وتلقينه الكتابة بخطوط متنوعة، فبالنسبة للألسن يمكن ان نذكر اللغات الهندأوروبية كالإنجليزية والألمانية والفرنسية.
واللغات السامية مثل العربية والآرامية. واللغات الصينية التبتية كالماندرين والكانتونية.
اما بالنسبة لتنوع خطوط الكتابة يمكن أن نستحضر الخطوط الرومانية المستخدمة في اللغات الأوربية والخطوط الصينية التي تستخدم رموزا معقدة والخطوط الأبجدية المستخدمة في اللغات الفارسية والعربية.
ومن طرق تعليم الحق للإنسان المؤمن، أمره بتكرار مجموعة من الآيات القرآنية وصلوات على الرسول وأدعية وحركات إشارية مومئة للحق عز وجل بالخضوع والإجلال.
لا شك أن كل مقيم للصلاة بخشوع قلبي سيرتقي بفهمه عروجا ذوقيا مقصودا منه سبحانه من أول ما فرض الصلاة من فوق سبع سماوات على احب الخلق إليه حبيبنا جميعا مولانا محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
فالسجود الظاهري بالجسد مراد منه طبعا خضوع الباطن للمولى عز وجل في سائر الأعمال اليومية، حيث لا يختلف اثنان أن إشارة الموظف لرب العمل بتمرير بطاقة العمل الإلكترونية على الآلة الإلكترونية التي تسجل حضور الموظفين كل صباح أو عند انصرافهم إنما هو دليل على حضوره للعمل لا على قيامه بالعمل، وإنما يقاس العمل بالمردودية ومؤشرات قياسها على لوحة القيادة.
كذلك الأمر يمكن ان يقال في حقل العبادة، فإن الصلوات الخمس إنما هى إيماءة من العبد لمولاه خمس مرات في اليوم أنه حاضر في أوقات الصلاة لا على انه حاضر بنيته في سائر أعماله اليومية، وإنما الصلاة تدريب يومي على التوجه القلبي لرب العباد في سائر أوقاته خلال اليوم, فيحضر قلبه خلال صلاة الفجر مثلا دقيقة كاملة وخلال صلاة فجر آخر دقيقتين إلى أن يرتقي إلى الخشوع خلال الصلاة كلها ويغفل في أخرى، فيستمر شيئا فشيئا الى أن يرتقي إلى تحصيل خشوع قلبي خلال الصلوات الخمس كلها، ومن ثم إلى سجود قلبي دائم لا ينقطع يقظة ومناما، ليلا ونهارا.
ودفاعا عن زيارة مقامات الأولياء وأضرحة الصالحين لا ينبغي ان ننسى إشارة الحق خلال اهم فريضة في حقل التوحيد التي هي الصلاة، فكل عبد مسلم مأمور بترديد كلمات التشهد التي من ضمنها قول المؤمن: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، تكرارا يتردد كل ركعتين ليس فقط في صلوات الفرائض بل يتعداها الى صلوات النوافل عل وعسى ان يفهم المتدبر للوح الصلاة أو قل سبورة الغيب ان كاف الخطاب دليل على حياة دائمة لروح النبي الكريم وأرواح الصالحين شهداء جهاد النفس، الذي هو اعظم جهاد، "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون".
لكن من غريب الصدف ان نفس العبد الذي سلم بكاف الخطاب على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كما سلم على عباد الله الصالحين جميعا بدون استثناء، إذا فرغ من الصلاة وطلبت منه زيارة مقام من مقامات الصالحين، اخبرك انه عمل من قبيل الشرك والعياذ بالله.
يصلي كل منا الصلاة الإبراهيمية مرددا عددا لا بأس به يوميا: "اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد"، ولا شك أن كل متدبر في هذا القول سيفهم ان الصلاة من الحق للعبد بركة ورحمة وكأننا ندعو لهؤلاء الأنبياء والصالحين بالبركة والرحمة في مراقدهم شكرا لما قدموه من تضحيات وبرورا بآباء روحيين أوصلوا لنا الإسلام غضا طريا.
لنر المسألة من زاوية أخرى ليتخيل احدنا انه مدعو لندوة علمية بمدينة الخليل حيث يرقد نبي الله ابراهيم عليه السلام، او وادي شعيب جنوب مدينة السلط بالأردن حيث يرقد نبي الله شعيب عليه السلام، او بجنوب مدينة البتراء على جبل هارون حيث يرقد نبي الله هارون عليه السلام، لا شك انه سيجد وقتا ولا بد لزيارة مقام احدهم بالمدينة التي زارها لغرض علمي دون ان يتساءل للحظة: هل زيارته بدعة ام لا؟ لأن زيارته ستكون تلقائية لمحبته القلبية لهؤلاء البررة، فكذلك زيارة الابن لأبيه او أمه سوف يزورهم دون ان يسأل نفسه: هل هي بدعة ام لا؟ وإن تساءل ولو للحظة سيكون ذلك جحودا لأهل خير وفضل، فكذلك زيارة مقامات الأولياء والصالحين من آل بيت رسول الله، ندعو لهم خلال كل صلاة إبراهيمية ان يبارك فيهم كما بارك في آل سيدنا ابراهيم عليه السلام، بمعنى ان يرقيهم في عالم الأرواح وفي مراقدهم، وينتج ممن لم يولدوا بعد من ذرياتهم رجالا صالحين كما أنتج الأنبياء من ذرية إبراهيم عليه السلام، لكن بمجرد الانتهاء من الصلاة إن طلب من أحدهم زيارة مرقد من مراقدهم، ردد دون وعي وتأمل في لوح سبورة الصلاة التي انتهى منها للتو: إن ذلك بدعة! فعجبا كل العجب وما اشد هذا العجب؟!
إرسال تعليق