التفاؤل بالخير.. والحذر من التشاؤم

طيب القول.. بقلم مصطفى ياسين 

الإنسان قد يعتريه خليطٌ من اليأس والإحباط، والتساؤل الاستنكارى من جدوى استمراره فى عمل ما، طالما أنه لا يرى نتيجة أو ثمرةً لجهوده المبذولة وبإخلاص وتفان!

وربما يصل به الحال إلى دَرَكَات أكثر تشاؤمًا ويأسًا، بالتفكير في اعتزال الحياة بكلّ ما فيها، والانكفاء على ذاته والتقوْقع داخل سجنه النفسى، الذى يصنعه بنفسه لنفسه!

ويبرِّر لنفسه كلّ الظروف والمُلابسات التى تُريح قلبه وضميره بأنه بَذَل كلّ وسعه وطاقته لكن لا جدوى ولا فائدة مما يقوم به! وأنه مهما فعل فلن ينصلح الحال، وبالتالى فهو كمن يحرث فى الماء، أو يكتب فى الهواء، فلا زرع غَرَسَ ولا ثَمَر حَصَد!

لا فرق في ذلك بين إنسان وآخر، حتّى الأنبياء والمُرسلين- عليهم السلام- مرّوا بهذه الحالة وقت تبليغ الدعوة أو مواجهة تحدّياتها ومناوءة الكافرين والمُنكرين، إلى أن أيَّد الله أنبياءه ورُسُلَه الكرام بالنصر والتمكين.

وحينما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من اليأس والقنوط، لابد أن يتوقّف قليلا ويُراجع نفسه سريعا، كى لا يتملَّكه ذاك الشعور بالإحباط والتشاؤم المرضى والقاتل لكلّ مظاهر الحياة، وليفتح نافذة إلى السماء مناجيًا ربَّه، كما فعل الأنبياء والمُرسلون، كى يأتى الفتح والمَدَد من السماء، بعد استنفاد كلّ وسائل وأسباب الأرض والبَشَر.

لأننا لو استسلمنا لليأس والإحباط لمَا استمرت بنا الحياة ولما استطعنا العيش إلا نكدا وسنقضى نحبنا كمدا!

وكلّ الأديان والرسالات السماوية تحذّرنا من الخضوع والاستسلام لهذه الحالة من اليأس والقنوط، بل محاربتها بكلّ ما أُوتينا من قوّة، لأن هناك علاقة وطيدة بين التشاؤم وكثير من مظاهر الاعتلال النفسي وضعف الهمَّة، حيث يجعل صاحبه ينتظر حدوث الأسوأ، ويتوقّع الشرّ والفشل، ولهذا كان النبي يكره التشاؤم، ويحبّ الفأل الحَسَن الذي له علاقة بالعمل والأمل، فعن أنس رضي الله عنه: قال رسول الله: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة) رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة" رواه البخاري، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: (الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك) رواه أبو داود، قال النووي: "الطيرة شرك أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد".

ولنعلم أن التفاؤل سُنَّة نبويّة، وصفة إيجابية للنفس السويّة، يترك أثره على تصرّفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه سلامة نفس وهمّة عالية، ويزرع فيه الأمل، ويحفِّزه على الهمّة والعمل، والتفاؤل نور في الظلمات، ومخرج من الأزمات والكربات، وهو سلوك نفسي حثَّ عليه النبي بقوله وفعله، وهو مقرون بالإيمان باللهـ عزَّ وجلَّ ـ ومعرفته بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، لأن المؤمن يستشعر معيّة الله {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40)، كما يعرف ربّه بأسمائه الحسنى وأنه أرحم الراحمين {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:64)، لطيف بالعباد {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} (الشورى: 19)، وسعت رحمته كل شئ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف: 156)، وغيرها من صفات الله الحسنى التي تجعل المؤمن في تطلّع للأمل، وتوقّع للخير، وانتظار دائم للفرج، وهذه كلّها تصبّ في معنى التفاؤل الذي أمر به وحثّ عليه رسول الله، وربَّى عليه أصحابه رضوان الله عليهم.

فلنكن متفائلين بالخير دائما وأبدا، "تفاءلوا بالخير تجدوه".

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم