بقلم..... مصطفى ياسين
طوال تاريخِها العريق، والضاربُ بجذوره فى أعماق البشريّة، ومنذ أن عُرِفت مصر القديمة بحضارتها ودولتها- قَبل العالم أجمع- وهى تُدرِك أهمّيّة العُمْق الإفريقى، بل إن شِئْنا كلمةً أكثرَ دِقَّةً وتوصيفًا قُلْنَا: "قِبْلَتَها".
فموقع مصر المتميّز بين العالم كلّه، كوْنها مركز ووسط العالم القديم والجديد معًا، اكتسبته من وجودها فى محيطها الإفريقى، وهو ما دَعَا كلّ المصريين- حُكّاما ومحكومين- على مدى العصور والأزمنة السابقة جميعها، يحرصون على تعميق وتجذير صِلاتهم وعلاقاتهم بالقارّة الإفريقية، خاصة فى محيط نهر النيل العظيم.
وإنْ كانت الظروف قد تغيَّرت- لأسباب أَمنيّة وسياسية- فى فترة التسعينيّات، حينما تعرّض الرئيس الأسبق حسنى مبارك- رحمه الله- لمحاولة اغتيال فى أثيوبيا، فإنه من المُفترض والطبيعى ألا تطول مدّة الانقطاع والقطيعة عن المحيط الإفريقى، باعتباره "قِبْلَة" لمصر فعلا وليس مجرّد قوْل وكلام.
وقد رأينا كمَّ المُشْكلات والأزمات والتحدّيّات التى تعرَّضت لها مصرُنا الحبيبة، حينما طالت القطيعة التى أعتبرها "خَطِيئة" قوميّة ووطنيّة أضرَّتنا كثيرا على كلّ المستويات والأصْعدة، وسَحَبَت بِساط الريادة والقيادة المصريّة، لصالح أطراف أخرى، سواء إقليمية أو دولية، خطَّطت ودبَّرت لتحقيق مصالحها وإيقاع الضَرَر والأذى بالقارّة السمراء عامّة، وبمصر الكِنانة خاصّة.
وزادت الأوضاع سوءًا فى أعقاب كارثة "الخريف العربى" الذى أضاع ما بقى من مكانة ودور لمصر إفريقيا، حتّى وصل الضرَر والتهديد للأمن القومى المصرى، وعلى رأسه الأمن المائى والحدودى، والاستقرار السياسى والأمنى الداخلى.
ولكن، بفضل الله تعالى، بدأت الأمور تعود تدريجيًا لنِصَابِها الصحيح، عقب ثورة المصريين فى 30 يونيو 2013م، فبدأت الدولة المصرية تُعيد "لَمْلَمَة" أوراقها وترتيب بيْتها الداخلى من جديد، ورويدًا رويدًا تستعيد أدوارها الإقليمية والدولية- التى سُلِبَت وسُرِقَت منها- فرأينا الجولات المكوكيّة للرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلّ اتجاه، لاستعادة مكانة مصر.
وأحدث تلك التحرُّكات والجولات، زيارته لدولة أريتريا، وعقد اللقاء الثلاثى مع الرئيس الإريترى أسياس أفورقى، والرئيس الصومالى حسن شيخ محمود. وبحْث ترتيبات الأمن الإفريقى، وخصوصًا فى القرن الإفريقى الذى يعانى منذ فترة توتّرات وقلاقِل بل حروبا واعتداءات على السيادة الوطنية، وزيادة عمليات القَرْصَنة فى مياه البحر الأحمر والمياه الساحلية للشقيقة الصومال على المحيط الهندى، فضلا عن الحروب الأهليّة والانقسامات.
وبفضل الله سبحانه وتعالى، ثم حكمة القيادة الرشيدة، حُفِظَتْ وسَلِمَت مصر من تداعيات الصراعات والحروب والأزمات المحيطة لنا من كل جانب، بَعْد أن امتلَكَت "سلاح الرَّدْع" بوجود قوَّاتها المُسلَّحة وشُرْطَتَها الباسلة، التى حقّقت الأمن والأمان للوطن والمواطن المصرى الذى استحقّ أن يكون هو البطل الأول فى معركة الوجود والصمود فى وجه التحديّات والأزمات.
ليتأكّد دائمًا وأبدًا أن مصرنا الحبيبة محروسة دومًا برعاية وعناية المولى عزَّ وجلَّ، ثم بعقول وسواعد أبنائها المُخلصين الأبطال، المُتَأَهِّبين دومًا للدفاع عنها، والتضحية من أجلها بكلّ غالٍ وثمين.
فـ"لتحيا مصر" شامخة مرفوعةٌ هامَتُها، خفَّاقة رايَتُها، إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.
إرسال تعليق