يقول صاحب القصة: عندما بلغت السنة الثالثة من المرحلة الجامعية اشترى لي والدي، -حفظه الله- سيارة جديدة.
وكنت وقتها مزهوًا ببراعتي في القيادة والمراوغة والتخييط بين السيارات في دقة وسرعة دون أن أصطدم بأحد.
وذات يوم استوقفني رجل كبير على قارعة الطريق لأوصله في طريقي.
ركب الرجل بجانبي وظل يراقب قيادتي دون أن ينبس ببنت شفة، وأنا أتباهى أمامه بكل ما ذكرته آنفا...
إلى أن وصلنا إلى مبتغاه وهم بالنزول ...
التفت الرجل إلي وقال:
أي بني، جزاك الله عني خيرًا ولا أملك مكافأة لك على صنيعك معي إلا الدعاء والنصيحة.
فقلت له: أما الدعاء فاجعله غيباً ،وأما النصيحة فأتِ بها...
فقال الرجل أي بني، حافظ على رصيدك من الستر.
فإني أراك تبعثر منه كثيرًا !
أي بني، إياك أن تظن أنك إن وصلت مبتغاك سالما معافى أنت وسيارتك فبفضل سرعتك وبراعتك في القيادة.
لا ،بل لأنه لايزال لديك رصيد من ستر الله يصرف عنك المصائب.
لكن هذا الرصيد سينفد يوميا ما ،مثله مثل المال إن لم تحسن استخدامه فيما يفيد !
فقلت وكيف يمكنني معرفة رصيدي من الستر؟
فقال على عكس المال لا يمكنك معرفة رصيد الستر إلا بعد نفاده ولكن يمكنك زيادته باستمرار.
قلت وكيف يمكنني زيادته ؟
فقال بالتزام السكينة في القيادة
وإفساح الطريق للغير ابتغاء مرضاة الله..
وأن لا تربك عجوزًا يقود سيارة أو امرأة بقيادتك هذه...
وأن تعطي الطريق للمشاة للمرور بطمأنينة
وأن لا تروع أحدا بقيادتك.
وأن تعتذر لغيرك إن أخطأت في القيادة.
هذا كله يصب في رصيد سترك.
أما السرعة والتهور والإجتيازات والتخييط بين السيارات فكلها تسحب من رصيدك إلى أن تأتي اللحظة التي تفقد فيها كل شيء وعندها لن تغني عنك براعتك شيئا !!!
والمثل يقول *(مش كل مرة تسلم الجرة)*...
*(والستر كثير ،والفضيحة القاتلة تأتي مرة واحدة).*
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم *(...فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)* صحيح
وقعت هذه الكلمات من ذلك الرجل الستيني والذي علمت فيما بعد أنه كان يعمل سائقا للشاحنات الكبيرة على مدى أربعين عاماً أو يزيد، أي قرابة ضعف عمري في ذلك الوقت، وقعت في قلبي كالصاعقة فزلزلتني وقلبت كل مفاهيمي رأسا على عقب.
حينها فقط قررت أن أستثمر رصيد الستر ليس في بنك
قيادة السيارة وحدها بل في كل مناحي الحياة.
في الدراسة، بالإجتهاد والتحصيل العلمي ومساعدة الزملاء والتواضع لهم وللأساتذة حسبة لله.
في العمل، بالكد والتفاني والإخلاص فيه وحسن المعاملة مع الرؤساء والمرؤوسين والعملاء حسبة لله.
مع الوالدين، ببرهما والإحسان إليهما حسبة لله..
مع الإخوة، مع الزوجة، مع الأبناء، مع الجيران.
تعلمت أن أحدث بنعم الله دون أن أتباهى بمالي أمام فقير ،ولا بصحتي أمام عليل ،ولا بشهاداتي أمام أميّ بسيط.
لأن واهب النعم قادر على نزعها في أي وقت.
رصيد سترك
byبلادنا
-
0
Tags:
شباب وجامعات
إرسال تعليق