"المساكنة".. "كبيرة" من صور الزنا

دعوات لنشر الفاحشة.. وهدم المجتمعات
نوع جديد من تجارة الرقيق الأبيض

أصبحنا نفاجأ بين الحين والآخر بدعوات "نشاذ" تخالف شرعنا وعرفنا لتبرير وقوع العلاقة الخاصة فما بين الرجل والمرأة تحت مسمى "المساكنة"! والأدهى أن يتباهى مرتكبوها- من الطرفين- بممارستها وكأنها معاملة مقبولة شرعا وعرفا، بل يقارنوها بمعاملة "مِلْك اليمين" أو غيرها من الصور التى كانت معروفة سابقا ثم أبطلها الإسلام الحنيف! بل يطالبون بتطبيقها بدعوى الحرية الشخصية، والتجربة قبل الزواج الرسمى!



يوضح د. عبدالله النجار- عضو مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر- بأنه لا يجوز قياس زواج المساكنة غير الشرعي بزواج "مِلْك اليمين" الذي كان موجوداً في أوقات معينة ولأسباب نبيلة تصبّ في مصلحة المرأة، فالمساكنة فهي نوع من تجارة الرقيق الأبيض، وقد سمّاها بعض علماء الدين بـ"زواج الطيور"، حيث يقضي كل طرف غريزته ثم ينصرف إلى حال سبيله من دون أي مسؤولية تجاه الطرف الآخر، أو حتى عن ثمرة هذه العلاقة إذا تم الإنجاب!

العقد المشروع

وحذرت د. سعاد صالح- أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- من مثل هذه الدعوات التى تدعو لانتشار الفاحشة في المجتمع لأن ربنا سبحانه وتعالى يقول: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (سورة النور:19).



وتؤكد أن الله سبحانه وتعالى نظّم العلاقة بين الرجل والمرأة عن طريق العقد المشروع والذي لم يشرع الزواج لمجرد الاستمتاع وإنما لأهداف جليلة وهى إعمار الكون بالأبناء والأسر فقال تعالى " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة الروم:21).

هدم القيم

ويؤكد د. أسامة قابيل- من علماء الأزهر- أن فكرة "المساكنة" التي تظهر بين الحين والآخر عبر تصريحات البعض هي محاولات مموَّلة تهدف إلى تخريب المجتمعات، لكن الإسلام يحافظ على كرامة المرأة في جميع حالاتها، سواء كانت أمًّا أو أختًا أو زوجة أو ابنة، ويضمن لها كافة حقوقها من خلال الزواج الذي وصفه الله بأنه "ميثاق غليظ" يحفظ للمرأة حقوقها. فالمرأة التي كرّمها الإسلام ليست للتجربة، بل لا تحلّ لزوجها إلا بأمانة الله وبكلمته، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، كيف يتحدثون عن تجارب غير شرعية مخلّة للشرف فى مجتمعات تصون القيم؟!



ووصف الدعوات التي تروّج لفكرة المساكنة باعتبارها حرية أو تطورًا حضاريًا، لا تتماشى مع القيم والأعراف المجتمعية. مؤكدا أن استيراد الأفكار يجب أن يكون بما يتوافق مع القيم الموجودة، متسائلًا: هل انتهت الأفكار البنّاءة ولم يبقَ إلا هذه الأفكار التي تهدف لتدمير المجتمعات وإشاعة الفتن وضياع الأخلاق؟! إن المساكنة لا تعدو كونها نوعًا من الزنا، وكبيرة من الكبائر، وانتقد ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدعوى الحرية، معربا عن قلقه بشأن تأثير هذه الأفكار على الفتيات اللاتي يقبلن بها، مستنكرا: كيف يمكن للفتاة أن ترى نفسها بعد انتهاء علاقة غير شرعية كهذه؟!

من جانبه يرى د. علي محمد الأزهري- عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر- أن الشرع الحنيف حرص على ضرورة عدم الوقوع في الشبهات فضلًا عن المحرمات، وبيّن لنا سيدنا رسول الله خطورة ما هو أقل من المواعدة، والكلمات الغرامية، فحذر من الخلوة. واستشهد في ذلك بعدة أحاديث، منها بما روى الإمام البخاري والإمام مسلم عن سيدنا ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن سيدنا النبيِّ "لا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بامرأةٍ إلَّا مع ذي مَحرَمٍ".

 

وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند عن سيدنا جابر رضي الله عنه عن سيدنا النبي "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس لها محرم فإن ثالثهما الشيطان".

وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على الإمام مسلم: "إذا خلا الأجنبيُّ بالأجنبيَّةِ مِن غيرِ ثالثٍ معهما فهو حرامٌ باتِّفاقِ العلماء".

وقال الإمام ابن حجر رحمه الله في شرحه على صحيح الإمام البخاري: "فيه منعُ الخَلوةِ بالأجنبيَّةِ، وهو إجماعٌ".

قال الإمام الصنعاني رحمه الله تعالىٰ في سبل السلام: "دلَّ الحديثُ على تحريمِ الخَلوةِ بالأجنبيَّةِ، وهو إجماعٌ".



أوضح د. الأزهرى، أن كلمة المساكنة نظر لها العلماء قديمًا عَلَىٰ اعتبار غير المتبادر للذهن حاليًا. فالمقصود سكن الرجل مع المرأة في بيت واحد وليس في غرفة واحدة، قال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الفتاوىٰ الفقهية: "فإذا سكنت المرأة مع أجنبي في حجرتين أو في علو وسفل أو دار وحجرة اشترط أن لا يتحدا في مرفق كمطبخ أو خلاء أو بئر أو سطح أو مصعد، فإن اتحدا في واحد مما ذكر حرِّمت المساكنة لأنها حينئذ مظنّة الخلوة المحرّمة، وكذا إن اختلفا في الكلّ ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسدا، أو أغلق لكن ممر أحدهما على الآخر أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر".

لكن ما يروج له أصحاب الفكر المنحرف فهذا محض جهل، وتحريض عَلَىٰ الفجور والزنا. فلابد من وجود عقد رسمي هو الزواج المعروف بين الناس. وبالتالى فكلمة زواج المساكنة فهذا لا يجوز لنا أن نسميه بهذه التسمية الغريبة، فإن قالوا باعتبار العرف نسميه، قلنا لهم هذا محض تدليس فإن العرف ما تعارف عليه الناس، وليس ما نادىٰ به بعض شذاذ العقل. والزنا حكمه حرام كما جاءت آيات القرآن الكريم والسنة النبوية تبرهن عَلَىٰ هذا. مستشهدا في ذلك بقول الله- تعالى- في سورة الإسراء: "وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا". وقوله في سورة النور: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم".

 


ووصف الداعية مظهر شاهين- عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك"- "الكلام عن المساكنة وقاحة ودعوة للبغاء ونشر الفسق والفجور في المجتمع، وافتكاساتك دي شغل تسالي لا تناسب مقام الزواج الذي وصفه الله تعالى في كتابه بالميثاق الغليظ".، لافتا إلى أن الإسلام حين شرع العقود كان الهدف من ذلك الحفاظ على كرامة المرأة وحقوقها، وحقوق ما قد ينتج عن هذا الزواج من أبناء، والحفاظ على النسل، قائلا: "أي شخص يقبل أن تعيش أخته أو ابنته مع شخص أجنبي عيشة الأزواج تحت سقف واحد بدون عقد زواج يكون ديوثا"، فالزواج آية من آيات الله، والزواج ليس كما يظن البعض أنه وسيلة للمتعة وفقط، وإنما شُرع لهدف أسمى وأعظم ألا وهو الحفاظ على ذرية آدم وتناسلها لتحقق مراد الله منها في عبادته وعمارة هذا الكون، عبر وسيلة مشروعة تحفظ لها كرامتها، وتحول دون اختلاط الأنساب، وهتك الأعراض، إضافة إلي ستر كلا الزوجين للآخر وإمتاعه وقضاء شهوته في إطار الحلال وبعد تحقق شروطه واكتمال أركانه، وجعل الله تعالى المودة والرحمة أساسا للتعامل بين الزوجين ليواجها معا متاعب الحياة، ويتغلبا على تحدياتها.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم