الأزهر وتعليم المرأة

 

بقلم: د. إلهام شاهين

الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية

يعد تعليم المرأة من أولويات الأزهر الشريف منذ بداياته العلمية الأولى حيث ظهر الاهتمام بتعليم المرأة من خلال عقد (مجالس المؤمنات) والتي بدأ العمل عليها مع بدء عمل الأزهر كمنارة علمية وذلك بعد افتتاحه بأربع سنوات وكان ذلك في صفر ٣٦٥هـ حيث أتى المعز لدين الله بأكابر العلماء ليدَرِّسوا فيه للناس، وخصص وظيفة كبرى لنشر تعاليم الدولة الفاطمية وفكرها وفقهها، وهي وظيفة داعي الدعاة والذي كان له من المساعدين اثني عشر نقيبًا بالجامع ونواب ينوبون عنه في البلاد لنشر المذهب والشريعة، وكان داعي الدعاة يعقد المجالس بالإيوان الكبير ويجلس على كرسي الدعوة بالجامع الأزهر فيحاضر الناس ويعقد مجلسًا خاصًا بالنساء في الأزهر يلقنهن فيه أصول المذهب الإسماعيلي الفاطمي، وتسمى مجالس المؤمنات.

وفي عام ٣٧٨هـ عيّن الوزير يعقوب ابن كلس بإذن من الخليفة العزيز بالله، جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس بالأزهر في وقت محدد يوم الجمعة من بعد الصلاة وحتى العصر وصل عددهم إلى سبعة وثلاثين فقيها، وأجرى لهم الرواتب وهيأ لهم السكن بجوار الجامع الأزهر حتى أصبح الأزهر الشريف معهدًا جامعيًّا علميًّا للعلم و التعليم والدراسة، حيث بدأ حياته العلمية بخمسة وثلاثين طالبًا، ولم يقتصر الأمر على الرجال، بل كان للنساء مجلسًا تعليميًّا خاصًّا بهن حسب ما رواه المقريزي في خططه . 

وعندما أقيمت في عصر المعز والعزيز والحاكم مجالس الحكمة الفاطمية والتي عنيت بقراءة علوم آل البيت والتفقه فيها، كان للنساء نصيبًا كبيرًا فيها حيث كانت مجالس النساء بالجامع الأزهر والمجالس الخاصة بقصر داعي الدعاة، واستمر أمر العناية بالمرأة وتعليمها وتثقيفها بالأزهر الشريف؛ يدل على ذلك ما ورد في حسن المحاضرة للسيوطي من حضور الفقيهة أم زينب فاطمة بنت عباس المعروفة بالبغدادية حلقات الأزهر الدراسية والتي انتفع بعلمها من جراء تلك الحلقات خلق كثير من النساء، كما روى الجبرتي أن الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر كانت تحضر مجالس علمه ودروسه بالجامع الأزهر امرأة فقيهة عمياء في أواخر القرن الثاني عشر الهجري 

كما ذكرت عائشة التيمورية أنها كانت تحضر العلوم اللغوية والشرعية على يد عالمات حضرن من الأزهر مثل فاطمة الأزهرية وستيته الطبلاوية.

وحينما ظهر في المجتمع المصري من يدافع عن قضية تعليم البنات، كان السبق للشيخ رفاعة رافع الطهطاوي بكتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) ثم كتابه (المرشد الأمين في تعليم البنات والبنين)، وظهرت آراء مؤيدة لتعليم الفتاة مثل رأي الإمام محمد عبده، وقاسم أمين، والشيخ مصطفى عبد الرازق وغيرهم، بالإضافة إلى عودة المبعوثين من أوربا بأفكار وسلوكيات جديدة، ثم التأثير الكبير للمهاجرين الشوام إلى مصر الذين أثروا الحياة الفنية والأدبية والصحفية بالإضافة للترجمة وفنون المسرح 

واهتمت الصحف في هذه الفترة بإثارة قضايا المرأة على صفحاتها وانتقل هذا الاهتمام إلى فئات الشعب المختلفة، حتى أصبحت هذه القضية تشغل الناس في النصف الأول من القرن العشرين بين مؤيد ومعارض لتعليم المرأة، وكان المؤيدون ينقسمون إلى قسمين: منهم من يرى أن تكتفي المرأة بتعلم ما ينفعها في بيتها فقط، ومنهم من يرى أن تأخذ المرأة حقها كاملًا في التعليم، وفي كل ذلك لم تأخذ المسألة شكل الصراع بين الرجل والمرأة، وإنما الصراع كان بين اتجاهين.

وقد فتح الأزهر الباب لتعليم الفتيات منذ ١٩٦٢م وحتى يومنا هذا، وفي سبيل أن يفتح للمرأة مجالات متعددة من العلم والعمل، أنشأ الأزهر الشريف الكليات العلمية إلى جانب الكليات النظرية حتى أصبح عدد الفتيات بالآلاف في مراحل التعليم الأولي وبمراحل التعليم الجامعي وقبل الجامعي ويكفي أن نعرف أن لدينا في مصر ما يقارب ١٤٥٩ معهدًا أزهريًا للفتيات، وما يزيد على ٤٠ كلية جامعية تتعلم فيها الفتيات والشابات وتعمل فيها السيدات، مما يجعلنا نستشعر قيمة وفضل الازهر في تعليم المرأة.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم