طيب القول.. بقلم: مصطفى ياسين
خصَّص الشرعُ الحنيف الأعيادَ والمناسبات الدينية لمزيدٍ من تعميق صِلَات الرَحِم وتقوِيَة العلاقات الاجتماعية والإنسانية فيما بين أتباعه، وأيضا بقيّة خَلْقِ الله، فكانت الأعيادُ فرصةً لإدخال الفَرْحَة والسرور على جميع خلق الله، فَرْحَةٌ أولا لصاحبها بأداء فريضة كَلَّفَنا الله بها لاستقامة حياتنا، مُقْبِلِين عليه سبحانه وتعالى، مُسْتَبْشِرين بالقبول والرّضا، والمَغفرة والرضوان. فـ"يوم العيد" هو يوم الجائزة من العليّ القدير.
وفَرْحَةٌ ثانيا على كلّ المُحيطين بِنا، نُشْعِرَهم بما مَنَّ اللهُ علينا به مِنْ نِعَمِه وفَضْلِه أن وفَّقنا لطاعته، وندعوه أن يُديم علينا نِعْمَة الطاعة والعبادة، ومنه القبول.
ولم- ولن تكون أبدا أعيادُنا سببًا في خلافنا وتناحرنا- فأبواب الفِقه واسعة في التيسير على المؤمنين المُتَفَقِّهين، لكن المُتَفَيْقِهين الأدعياء، حُدَّاثَ الأسنَان، فليتحمّلوا أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم، وسيظلّون في معاناة مع إحساسهم بالدُونية والنَقْص تجاه الآخر، أيًّا كان هذا الآخر، سواء العَقَدى أو الجِنْسي أو الُّلغوي، المُهم هو الاستِئْسَاد على الدِّين والوطن، وعلى عُلمائنا المسلمين المصريين، وادِّعاء احتكارِهم العِلْم الصحيح المُطْلق دون سِواهم!
يَعْوُونَ ويَنْهِقُون بـ"أنْكر الأصوات"، عَبْرَ الأبواقِ المُسَخَّرة لهم، في وسائل الإعلام المختلفة التي تَفتح لهم الأبواب على مَصَاريعها، وتحتفي بهم وتُعَظِّم شأنهم، لتكون لهم الغَلَبَة بالصوت العالي، وليُشَوِّشُوا على الناس أمْنَهم وسكينتهم، والمُصيبة أنهم يُطالبون في دعواهم بالتزام التخصّص- وهُم أوّل المُتجاوزين المُتَجَرِّئين على أهلِ التخصّص، طالما تعلّق الأمر بالدِّين وتحديداً الإسلام وعلمائه دون غيره- فهم لا يملكون ذرَّة شَجَاعة أو رُجولة في مجرّد مناقشة أمور أسيادهم سواء كانت فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية ناهِيك عن السياسيّة أو العَقَدِيَّة، وأنا لا أدعو ولا أُحَبِّذ التدَّخُلُ في شئون الغير، بل أُومن بالتخصّص وأن أهلَ مكَّة أدرَى بـ"شِعَابِها".
ولو أنّ أولئك الأدعياء صَمَتوا قليلًا وصبروا، أو حتّى التزموا تخصّصهم- سواء كانوا أطبّاء أو فلاسفة أو أيًّا ما يكن تخصّصهم، وتفرَّغوا له بدلا من مُدَارَاة فَشَلِهم بالافتئات على كلّ ما هو دِيني- لكان خيرًا لهم وأَقْيَمَ مِن قِلَّة القِيمة والخِزْي الذي يلحَق بهم في كلّ مرّة! لكن يبدو أن "جِتَّتَهم نَحَّسِتْ" من كثرة التَبَلُّد!
وليس من المعقول ولا المقبول أن يظلّ الشأنُ الدِّينى أو المصري الوطني، مَطِيَّة أو تَكِئَة، لأولئك الطُلَقَاء الفارّين من عِقَال التربية والأدَب، ولكلّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ، يعيثُ فيه فسادًا وإفسادًا، إضلالًا وتضليلًا، دون حساب ولا عِقاب!
على الأقلّ يجب منع أولئك الجُهَّال أدعياء العِلْم والفِكر، وهُم أبعدُ ما يكونون عنه، من الظهور على الناس، حماية للعامّة من بَلْبَلَةِ أفكارهم وتشويش ثوابتهم من عقيدة وعادات وتقاليد راسخة.
إن ديننا ووطننا أغلى ما نملك، فلا يصِحُّ أبدًا أن نتركه كلأً مباحًا ترْتع فيه الهَوَامُّ الضَّالّة، فإذا كان مُباحًا الحَجْر على السَفِيه من التصرُّف في ممتلكاته الخاصّة- وما أحقَرها مهما علا شأنها وعَظُمَت قيمتها- فلا أقلّ من الحجْر على سُفهاء الفِكر جُهلاء الدِّين والوطنية، من الحديث عن أشرَف المُقدَّسات، فضلاً عن الظهور على الناس، وحَجْبِهم تمامًا وبكلّ السُبل والوسائل، دفاعاً عن ديننا ووطننا من الّلغو والهَذَيَان.
وكما حَفِظَ الله دينَه، ندعوه سبحانه وتعالى أن يحفَظ مصرنا الحبيبة من كلّ مَكْروه وسُوء.
إرسال تعليق