MrJazsohanisharma

مصر.. "حالة خاصة"

طيب القول.. بقلم: مصطفى ياسين

تعيش مصرُنا الحبيبة حالَة من المُعايَشَة المجتمعيّة المتكامِلة- فيما بين مسلميها ومسيحييها- بعد أن تجاوزت مرحلة مُجرّد المُشاركة في كثير من المظاهر الاجتماعية والإنسانية.

حيث تجدُ "المصريَّ" فى وضع اندماج وانصهار كامل، فى كافّة المظاهر والأوضاع والأحوال الاجتماعية والإنسانية، ولا يستطيع أحدٌ التَفْرِقة بين جميع المصريين- التَفرِقة على أساس ديني- وقد وَضَحَت هذه "الحالة" أكثر فى السنوات العشر الأخيرة، والتى دَعَّمَتْها وجَسَّدَتها "الأفعالُ" الرئاسية على أرض الواقع، وليس مجرّد كلمات أو تصريحات.

ولله الحمدُ والمِنَّة أن تَحَلَّى مجتمعُنا المصري الحبيب بالمزيد من الوعيّ والإدراك وتحوَّل تلْقَاء نفسه، فصَارَ هذا سلوكُه فى الحياة اليومية من التعاملات الإنسانية، وقَدَّم رأسُ الدولة، الرئيس عبدالفتاح السيسي، القُدوة والمَثَل، بحِرْصِه على تهنئة إخوتنا المسيحيين شُركاء الوطن، بالذهاب إلى مقرِّ الكاتدرائية المُرقسية، سواء بالعباسية أو مقرّها الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، في تقليد سنوي، منذ أن تولَّى أمانة قيادة البلاد، ليُرَسِّخ بذلك التقليد الإنساني المصري الأصيل، بالقيم والأخلاق المصريّة الحميدة التي تَرَبَّى عليها المصريون منذ القِدَم، فلم يعرف المصريُّ في حياته تمييزاً ولا تفريقا بينه وغيره، في أيٍّ من الاختلافات أو الفروقات، سواء الطبيعية أو المُكْتَسَبَة، لتقديسه وتعظيمه حياة الإنسان وصورته، في كلّ أحواله وظروفه.

ولا تقتصر المشاركة والمعايشة على رئيس الجمهورية فحسب، بل إن القيادات الدينية أيضا تُقدِّم المَثَلَ والقدوة بتبادلها للزيارات فى المناسبات الدينية المختلفة، فكما يقوم قَدَاسة البابا تواضروس الثانى- بابا الأسكندرية، وبطريرك الكرّازة المُرقسية- وجميع قيادات الطوائف المسيحية، بتقديم التهنئة لفضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر الشريف- وكبار القيادات فى المؤسسة الدينية الإسلامية فى المناسبات الدينية المختلفة، يقوم كذلك الإمام الأكبر والقيادات الإسلامية بتقديم التهنئة، لأشِّقَّائهم المسيحيين فى الكاتدرائية وغيرها من الكنائس ودُوْرِ العبادة والمنازل بل فى التعاملات والمعاملات اليومية.

وذات الشيء يتم على كلِّ المستويات الإنسانية والاجتماعية فيما بين أفراد المجتمع المصري، بمختلف فئاته ومستوياته، فإذا "قَاسَ" الإنسانُ منَّا الأمر على نفسه، سيجد هذه "الحالة" التى نعيشها جميعا، بفضل الله تعالى.

فَشَعْبُنَا متسامحٌ ومتديِّنٌ بِطَبْعِهِ، يحترم الآخرَ وطقوسَه، وهذا ما خَلَقَ روح التعايش والمشاركة المجتمعية، وهى التى وَجَدَت التُربة الخصبة بمواقف الرئيس عبدالفتاح السيسى، القَوْلِيِّة والعمليّة فهو يرسِّخ فكرة جديدة للتسامح فلا يقول: مسلم أو مسيحى بل يقول "مع بعض".

وبفضل الله تعالى فإن وحدَتَنا الوطنية المتميّزة، هى نتاج ترابط وتداخل نسيج متماسك ولا أحد يستطيع أن يفرِّقَ بينه أو يَبُثَّ الفتنة، طالما تَسَلَّحْنَا بـ"الوعى" والاصطفاف على قلْب رجلٍ واحدٍ، فالله مَنَحَنَا الحبَّ والإخلاصَ والانتماء للوطن الذي يجمعنا دوماً بلا تمييز عِرْقى أو دينى أو غيره، لذلك سيظلّ دائما وأبدا فى ترابط وتماسُك وتعايش إلى يوم الدين.

إنَّ مصر عند الله شئ عظيم، فَقَدْ شَرَّفها بوجود الكثير من الأنبياء والمُرْسَلين والأولياء والصالحين، وأعظم من ذلك بـ"التجلِّي" على أرضها، تُظَلِّلُها المحبَّة التى لا تسقط أبدا، فقلوبنا جميعا كمصريين نهرٌ من الحبِّ، ومصر متديّنة قبل وبعد الأديان، بل إن مصرنا هى "بَوْتَقَةُ التسامُح"، متسامِحة مع كلّ الثقافات والحضارات الأخرى، والمصريون لديهم "رأس المال الاجتماعي" فيَّاض من التلاحم والتماسك المجتمعي، فثقافة عدم القُدْرَة على العَيْشِ دون الآخر مُتجذِّرة في المجتمع المصري.

ويكفي أن شَجَرَتَيِّ "الأزهر والكنيسة" المصرية تُظَلِّلان على مصر بالخير والسلام، لذلك ستظلُّ مصر مترابطة ونسيجًا واحدًا بترابط وتماسُكِ أهلِها، وبـ"سماحة" الإسلام والمسيحية، فالسماحة جزء أساسى فى العقيدة والقيم والمبادئ التى تحملها، وآيات القرآن الكريم والإنجيل ملآى بالتوجيهات لدعم قيمة التسامح واحترام الآخر، وهذا ما خَلَقَ النموذج المصري المُتميّز والمُتفرِّد بين جميع الأمم والشعوب.

ومع كل هذا، يجب اليقظة والحَذَر من خطورة التَعَصُّب وأضراره على التعايش المجتمعى الذى تعيشه مصرنا الحبيبة، لأن هناك بعض الأشخاص الذين يستغلّون الفِتَنَ لزرع الخلافات بين أتباع الأديان المختلفة، لذا لابد من يقظة قادة الرأى والفكر وخاصة رجال الدين للتحذير من أمثال أولئك المُفَرِّقين. وللتنبيه من خطورة سوء الفهم والجهل بتعاليم الدين، ما يؤدي للتعصُّب واستغلاله من قِبَل الجماعات المتطرّفة لتفكيك نسيج الأمَّة.

لذا فالتسامح والتعايش والمشاركة المجتمعية لم يعد واجباً أخلاقياً فحسب، بل هو فريضة سياسية وقانونية في الوقت نفسه، ولن ينعم عالَمُنا بالسلام الحقيقي دون ترسيخ لهذا المفهوم الذي أصبح وجودُه حاجةً ماسَّةً وليس تَرَفَاً فكرياً، فالحضارة الإنسانية ازدهرت وازدهت بالتنوّع، والأُحادية لم تصنع إلا أفولاً وذبولاً، لذا فكم نحتاج لأن نختلفَ ونأْتَلِفَ، ولنتيَقَّن أن اللَّحن الواحد لا يمكن أن يُعطي نَغَمَاً جميلاً، والعصفور الواحد لا يمكن أن يصنع ربيعاً، والزهرة الواحدة لا يمكن أن تصنع بُسْتَاناً!

حفظ الله مصرنا وأهْلَها بحفظِه الجميل ورعايته العُظْمَى.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم