بقلم: الحبيب ناصري، طنجة المغربية
تعيش مدينة طنجة العالية، عروس شمال المغرب، أجواء الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة. فقد تم قص شريط هذه الدورة مساء 18 أكتوبر بقصر الثقافة الجميل والجديد. الدورة جارية وتنتهي مساء 26 أكتوبر.
هذا المهرجان هو بمثابة عكاظ السينمائي المغربي. فيه يتم التعرف على ما أبدعته السينما المغربية، في الروائي الطويل والقصير، وفي الوثائقي الطويل والقصير. طبعا هذا المهرجان هو مهرجان له قيمته وأهميته. مهرجان مؤسساتي، ينظمه المركز السينمائي المغربي، بتعاون مع بعض المؤسسات الترابية والمهنية. مهرجان تلتقي فيه العديد من العيون السينمائية المغربية والفنية والثقافية والفكرية، لتسائل المنجز السينمائي المغربي، وتكرم وتتوج من يستحق.
حينما نعود إلى الوراء، سنكتشف قيمة ما نحن بصدده الآن. قصدي هنا الفيلم الوثائقي. وبحكم اهتمامي بهذا الجنس السينمائي، ومن زوايا عديدة(أدرسه في الجامعة/أبحث فيه/ مؤسس لمهرجان دولي يهتم به، لي دراسات وكتب متخصصة فيه،الخ)، من الممكن الجزم، أننا قطعنا خطوات مهمة لترسيخ الفيلم الوثائقي في بنية الإنتاج السينمائي المغربي. لقد أصبحت اليوم لهذا الفيلم الوثائقي مكانة مهمة جدا بالمقارنة مع ما كان. ونتمسك بخيط الحلم، ليصبح لهذا الجنس الفيلمي الوثائقي قناة تلفزية مغربية خاصة به، لأنني أومن بأن بلدي، المغرب، مادة وثائقية حاضرة في كل أمكنته وأزمنته وقصصه الثقافية الشعبية والعالمة. أينما وليت وجهك في المغرب، فأنت في حضرة الفيلم الوثائقي. من هنا تأتي قيمة ما يعيشه الوثائقي المغربي في مهرجان طنجة الوطني للفيلم . لقد خصص له منظمو هذا المهرجان، مشكورين، برامجه الخاصة به . له قاعة تقدم فيها أفلام المسابقة الرسمية. وله لجنته وجوائزه. إنه يتطور في صمت، وينحت مكانته المؤسساتية والمهنية والجامعية والتكوينية والبحثية، الخ، لما له من قيمة وطنية ( له دبلوماسيته الخاصة) وثقافية وتربوية وجمالية وإنسانية. لقد أصبح لمخرجه بطاقته المهنية. وبدأ ينزع من ميزانية الدعم حقه. صحيح الطريق طويل، ولابد من تطوير مكانة الوثائقي في المشهد السمعي البصري ككل، وهي خطوات لابد منها، وسيتحقق الكثير منها مستقبلا، بسبب جاذبية الوثائقي، وبداية اهتمام العديد من الفئات العمرية به. لندخل لعيادة طبيب أو مكتب محام أو مقهى، الخ، ستجد بكل تأكيد أن الفيلم الوثائقي حاضر هنا من خلال ما يقدم في التلفزة الحاضرة في هذه المكاتب. أرقام المشاهدة تؤكد ان بعض البرامج الوثائقية في قنواتنا المغربية تحقق نسب مشاهدة عالية جدا.
في ظل عولمة مرعبة ومسوقة لثقافة الحروب والدمار والخراب، تبقى قصص الوثائقي حضنا دافئا وحالما بغد أفضل. أراهن كثيرا على جاذبية الوثائقي وهي الجاذبية التي بدأت تفرض ذاتها على جميع الناس( من بينهم من بيدهم قرار السمعي البصري، والمتفرجون، ومن يحدث التخصصات بالجامعات، ومن يبرمج في التلفزيون، ومن يكتب المؤلفات النقدية، ومن يعد بحوثا جامعية لنيل شواهد جامعية، الخ). لا ننسى ما قام به الفيلم الوثائقي من دبلوماسية ثقافية موازية، معرفة بشرعية القضية وبعدها الوطني ومغربيتها حتى النخاع. وأنا اكتب هذا المقال بلغ لعلمي أن جمعية الفضاء المغربي التربوي الرياضي بميلانو بإيطاليا، قد برمجت ضمن أيامها الثقافية بمناسبة عيد المسيرة الخضراء، فيلم المسيرة، لمخرجه يوسف بريطل، (فيلم روائي يمكن أيضا مشاهدته من زاوية وثائقية، ولنا عودة لهذا الموضوع).
وفق ما سبق، من الممكن الجزم أن المستقبل مضمون للوثائقي. سيفرض نفسه في العديد من الأمكنة والمؤسسات الإعلامية والجامعية والبحثية والتكوينية والعائلية، الخ، وهو ما سيساعده على نزع العديد من المكتسبات المهنية والقانونية( مثل تخصيص لجنة دعم خاصة به، والرفع من قيمة دعمه، وتخصيص قناة تلفزية خاصة به، الخ).
كل عام ووثائقيات الوطن والعالم والحالمة بما هو جميل.. بألف خير.
إرسال تعليق