لا يزال الدين ملاذ الإنسانية، والمخاوف من المجهول لا ينجو منها كائن حي، والتساؤلات عديدة حول ديانة بعض الشعوب والمجتمعات قديمًا، ويأتي الفكر العقل ليسأل: ما هو دين الصينيين القدماء؟!
ثم يجيب هذا الجديد "الديانة الطاوية في الميزان"، للكاتب د. خالد السيد غانم، الذي خاض في غمار عقيدة وفلسفة دينية قديمة، ولا يزال لها أشياع حتى الآن.
ويؤكد د. غانم أن "الطاوية" واحدة من الديانات الكبرى في الصين قديماً وحديثاً، وهي نسبة إلى كتاب الطاويين المقدس "الطاو تي تشينغ"، وتقوم على التأمل الذي يصل في النهاية إلى الاتصال التام – والذي يرقى بدوره إلى مرحلة الذوبان – بين الفرد والقانون الأعظم، ولذا يسعى الطاويون إلى الحصول على إطالة العمر والخلود.
ويضيف الكاتب فيقول: الطاويون يحبون السلم، ويكرهون الحرب إلى حد اعتبار النصر والهزيمة سواء؛ لأن البشرية لا تجنى من ورائه إلا الخراب، والدمار البشري.
ويصف الكتاب اللقاء الذي حدث بين الحكيمين: "لاوتسي"، و"كنفوشيوس"، ذلك الحوار الذي قصه أحد المعلمين الطاويين في معبد "شنج هوانج" فيقول: "جرى نقاش داخل قاعة المكتبة كاد يتطور إلى خلاف حاد، فقد كان الفتى [أي كنفوشيوس] قد أرسل مذكرة إلى "لاوتسي" يقول فيها: إنه يتمنى أن يلقاه، وبينما هو ينتظر مدّ يدَه إلى إحدى المخطوطات، وكانت هي كتاب "التغيرات" الذي درسه كل الحكماء القدامى [في الصين] وتعلموا منه الإنسانية والعدالة، وعندما دخل "لاوتسي" إلى القاعة وأطل إلى ما يقرأه الفتى، نظر إليه في سخرية وهو يتأمل كلمتي العدالة والإنسانية المذكورتين على غلاف المخطوط، قال "لاوتسي" مخاطباً الفتى "كنفوشيوس": لماذا تدرس كثيراً تلك الأشياء التي درست في الأيام الخوالي؟ وما هي الأهمية أو الفائدة التي تجنيها من ذلك؟
وأجاب "كنفوشيوس": اعتقد أن الناس ولدوا أخياراً، وأن التعليم والمعرفة يبقيانهم أخياراً، ولكن قبل أن نحصل على المعرفة الجديدة يجب أولاً أن نقف على المعرفة القديمة، وهذا هو السبب في أنى أرى وجوب دراسة حكمة الآباء الأولين بعناية واهتمام.
أغضب ذلك الرد "لاوتسي" وقال للفتى: إن الناس الذين تتحدث عنهم قد استحالوا وعظامهم إلى تراب، ولم تبق سوى كلماتهم، وإذا ما حانت ساعة الرجل العظيم قام من فوره وتولى القيادة، أما قبل أن تحين تلك الساعة فإن العقبات تهدم كل ما يحاوله، ولقد سمعت أن التاجر الموفق يحرص على إخفاء ثروته، ويعمل عمل من لا يملك شيئاً على الإطلاق، فدعك من غرورك، ومن برامجك الكبرى لتعليم العدالة للعالم، فكل ذلك لن يجديك فتيلاً وهذا هو ما أحببت أن أقوله لك".
ويستخلص الكاتب في كتابه "الديانة الطاوية" أنه قد مرت الديانة الطاوية بمراحل على امتداد تاريخها العقدي والفكري، وأخذت تسري في أطوار مختلفة، بدءاً من النشأة ثم انتشارها، ونهاية بما هي عليه الآن، ولم تكن منطوية بعيدة الصلة عن الأديان المجاورة لها في الصين، وإنما كانت ذات علاقة واضحة بأهم الأديان المجاورة لها.
ويوضح أن "نسق "لاوتسي" الأخلاقي ذا جانبين: الجانب العملي: ويمثل القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تأصلت في حياة "لاوتسي" ودعا إليها مجتمعه، وهي التي جعلته ينأى بنفسه عن وساوسهم وإغوائهم.
الجانب النظري: وينطلق من هذه التعاليم التي نطق بها "لاوتسي" حينما أراد مغادرة البلاد، ودونها تلميذه بطلب ورجاء من حارس الحدود – كما سبق ذكر ذلك – وأحكمت في كتاب "الطاو تي".
وهذان الجانبان يتعاونان معاً في بنية المجتمع الطاوي– كما أراده "لاوتسي"– وكذا في خلق الإنسان الكامل أو الفاضل، أو الحكيم الطاوي، والذي يسميه الطاويون "Chun tzu".
والكتاب فيه الإجابة على كثير من التساؤلات حول الديانة الطاوية في الصين، ويصور العديد من الأفكار والمعتقدات والطقوس من خلال كتاب "الطاو تي تشينغ".
إرسال تعليق