صدرت حديثًا أول ترجمة لرواية قصيرة في الأداب الهندية، وهي رواية "ليلة في لندن" للكاتب الهندي الكبير سجاد ظهير (1905 - 1973م)، هو أحد أعمدة الأدب الأردي الحديث، بل إنه أحد مؤسسي اتحاد الكتاب الأفارقة والأسويين، الذي يقع مقره الرئيس في القاهرة الآن.
ذكر د. أحمد القاضي، الأستاذ بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، الذي قدم للترجمة، أن "سجاد ظهير" يُعد أحد المناضلين ضد الاستعمار الانجليزي في شبه القارة الهندية، وقد شارك في حركة عدم التعاون الذي قادها المهاتما غاندي، التي شملت مقاطعة المنتجات الأجنبية، كل هذه الوقائع والمشاهدات أدت إلى أن يتولد لدى "سجاد ظهير" كراهية الاستعمار البريطاني منذ نعومة أظافره، وشيئًا فشيئًا أصبح من المناضلين من أجل الحرية.
ويضيف د. القاضي أن الكاتب سافر إلى "لندن" والتحق بجامعة "أكسفورد" وأصبح محاميًا عام 1935م، لكنه لم يمارس المحاماة، ولم يمارس أي وظيفة، بل كرّس كل وقته للأنشطة السياسية والأدبية.
أثناء إقامته في "لندن"، شارك علنًا في الحركات المناهضة للإمبريالية، وكانت له علاقات مع كتاب وشعراء مهمين في لندن مثل: "أودن"، و"لويس ماكنيس"، و"ستيفن سبندر"، وغيرهم ممن اشتهروا بأفكارهم التقدمية. وكتب روايته التي ترجمتها بين أيدينا "ليلة في لندن" أثناء إقامته في "لندن"، والتي لا تزال شهرتها كما كانت في بداياتها. بعد هذه الرواية.
أثارت قصص "سجاد ظهير" مع غيره من كتّاب عصره فور نشرها ضجة في جميع أنحاء شبه القارة الهندية، حيث لم يكن قراء الأردية في ذلك الوقت معتادين على قراءة مثل هذه الانتقادات الصادقة والقاسية حول النفاق الاجتماعي والأخلاقي الذي استشرى في البلاد والعباد، خاصة أثناء الاستعمار الانجليزي، فكانت النتيجة أن المحافظين هاجموا كتاباتهم بشدة لدرجة أنهم هددوا بقتلهم مما أدى إلى مصادرة بعض كتبهم.
كانت "الهند" في هذه الفترة العصيبة تناضل من أجل الحرية بعد ما يقرب من قرنين من الهيمنة البريطانية. لقد كانت القومية الهندية بمختلف ألوانها مشحونة بأفكار النخب والجماهير على حد سواء، إلى جانب انتشار الأفكار الاشتراكية متأثرين بالماركسية ونجاح الثورة البلشفية عام 1917م، وناهضوا فلسفة "غاندي" التي كانت تدعو إلى المقاومة السلبية.
تم تأليف "ليلة في لندن" عام 1935م، ونشرت لأول مرة بعد ثلاث سنوات. وهي رواية قصيرة من مائة وخمسين صفحة، وقد كُتبت باللغة الأردية، وقد ذكر "سجاد ظهير" في مقدمتها: "لا يمكن أن يسمى هذا الكتاب رواية أو قصة . إذا كنت ترغب في رؤية جانب واحد من حياة الطلاب الهنود في "أوروبا"، فعليك قراءته. تمت كتابة الجزء الأكبر منه في "لندن" و"باريس"، وعلى متن السفينة العائدة إلى "الهند". كان ذلك منذ أكثر من عامين. الآن عندما أقرأ المخطوطة أتردد في إرسالها إلى المطبعة".
وهكذا نرى أن الرواية كما ذكر مؤلفها تنقل لنا صورة لحياة الطلاب الهنود فى "لندن"، بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم وأحلامهم. فمنهم الاشتراكي، ومنهم من هدفه هو العمل فى الحكومة، ومنهم من لا يعبأ بشيء سوى باليوم الذى يعيشه، أو يفكر فى حبيبته الإنجليزية التي وقع فى هواها.
يمكن اعتبار "ليلة في لندن" أحد أقدم الأمثلة على الكتابة القومية المناهضة للاستعمار والإمبريالية. في قلب الرواية تكمن عملية فكر أيديولوجية عميقة تهدف إلى التحول الاجتماعي والتحرر الوطني. إن نقد "هيرين بال" العاطفي للمجتمع الهندي ككل هو مثال مناسب لهذه الروح؛ ولهذا اعتبرها البعض عملًا واقعيًا أكثر منه خياليًا نظرًا لتشابه كثير من أحداثها وأفكار شخصياتها مع وقائع حياة "سجاد ظهير" نفسه.
إرسال تعليق