بقلم د. عبدالحليم العزمى، أمين عام الاتحاد العالمي للطرق الصوفية
ذكر الله تعالى أماكن دفن أجساد البشر في الحياة الدنيا باسم ( القبور )
ولكن عندما وصف كيفية البعث وهو (الخروج) يوم القيامة ذكر أماكن الخروج باسم ( الأجداث ).
ولم يقل القبور كما هو مبين في الآيات :-
(خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ)
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ)
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ)
نلاحظ بشكل واضح من الآيات أن الخروج يوم القيامة يكون من الأجداث وليس من القبور .
ولكن لماذا؟ وما هو الفرق؟
قال تعالى: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ..)
لكي نعرف الفرق، دعونا نفكر قليلاً .
أين القبر الذي سيخرج منه ذلك الذي مات غريقًا في بحر أو نهر، وأكلت جسده الأسماك؟
أين القبر الذي سيخرج منه ذلك الذي مات في البرية، وأكلت جسده الوحوش وطيور السماء ونثرت تراب عظامه رياح الصحراء؟
أين القبر الذي سيخرج منه ذلك الذي مات في مجتمع يحرق أجساد موتاه وينثر رمادها في الهواء أو في الأنهار؟
من خلال هذه التساؤلات نكتشف أن الأجداث لا تعني القبور. إذًا ما هي (الأجداث)؟
لكي نعرف المعنى الحقيقي للأجداث دعونا نتفكر في الآية التالية :-
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ)
يقول الله تعالى في هذه الآية أن القبور التي نراها حاليًا موجودة سوف (تُبعثر) بمعنى انها ستتحطم ويتغير أماكن وجودها من جراء تحرك صفائح الأرض وارتجافها وزلزلتها، وغيرها من التغيرات الجغرافية التي تحدث للأرض عند نهاية أجل كل أمة أو في يوم القيامة.
إذًا واضح أيضًا من هذه الآية أن قبور الدنيا سوف تتلاشى وتبقى (الأجداث) مبعثرة ومختلطة بتراب الأرض أينما وُجدت .
والآن لنبحث في القرآن عن كيفية الخروج من تلك الأجداث، يقول الله تعالى في سورة ق:-
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ (11)}.
سبحان الله العظيم. لاحظ جملة (كذلك الخروج) في هذه الآية، واضح من الآية أن كيفية الخروج من الأجداث هي كما تنبت الجنات وحبوب الحصيد وغيرها من النباتات عندما ينزل عليها الماء من السماء ...
ونحن نعلم أن الأرض مليئة بذرات صغيرة جدًّ من البذور التي تنبت منها الأشجار عندما يهطل المطر عليها.
إذًا فالأجداث هي ذرات متناهية الصغر من خلايا الجسد ينبت منها كل إنسان مات في الحياة الدنيا، وحيثما كانت تلك الذرة ينبتها الله وينسل منها جسد المبعوث ...
قال الله تعالى:- (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا).
وصلى على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين ﷺ
إرسال تعليق