"وَلْيَتَلَطَّفْ"

الداعية م. عبير أنور

"وَلْيَتَلَطَّفْ".. هي الكلمة التي جاءت في منتصف القرآن، فعدد كلمات القرآن قبلها مساوياً لما بعدها وكأن الله عز وجل يلفتنا إلى أهمية اللطف وكيف تزدان به الأشياء وترقى به التعاملات، والوقَّاف على آيات الله يجد أن المعاملات قد شغلت حيزا كبيرا في القوانين القرآنية كقوله تعالى:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"، وهذا هو الواقع الذي نعيشه فأهم ما يجعلك تقترب من إنسان أو تبتعد عنه هي طباعه وطريقته في التعامل فتقبل على البشوش العطوف صاحب اللسان الطيب.

ولقد ساقت لنا سورة مريم من خلال قصة سيدنا إبراهيم نموذجا للطف التعامل والنصيحة الحانية فقد كان سيدنا إبراهيم يدعو أبيه إلى التوحيد فاتبع إسلوبا فريداً في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فلم يجمع عليه صعوبتين، صعوبة ترك ما عبد آباؤه، وقسوة اللفظ والإنكار، بل ناداه أربع نداءات بدأها بقوله "يا أبت" وكأنه يستثير حنانه ولم يهاجمه بل استخدم أسلوب الإستفهام وهو ألطف أساليب الاعتراض "يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا" ثم قال "يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ" وكأن العلة كلها في أنه لم يأته العلم وليس في أعراضه عن دين الله ،واستخدم في بقية الحديث ألفاظًا رقيقة فلم يقل له "يصبك" بل "يمسك"، ليشعره إنه لا يحتمل عليه أقل الضرر "يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا" فلمَّا لم يلتفت إليه ولم يؤمن معه قابل سيدنا إبراهيم كل هذا الصدود بقوله: "سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي".

من القرآن نتعلم فن التعامل والدفع بالتي هي أحسن، ففي المعاملات بصدق وأمانة ورفق عبادة لا تقل عن العبادات الشعائرية، والكلمة يمكن لها أن تكون سما أو تكون ترياقا. ومن سبقونا قالوا: الحقائق مرة فاستعيروا لها خفة البيان.

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم