المصطفى ﷺ رحمة لجميع العوالم

بقلم د. عبد الحليم العزمى الحسينى

أمين عام الاتحاد العالمي للطرق الصوفية

 دائما يربط الإمام أبو العزائم رضي الله عنه بين المصطفىﷺ وبين العـوالـم فـى أحداث السيرة

 فيقول :سدد أبو بكر كل فرجة بالغار ، ما عدا فرجـة لـم يجد لها ما يسدها به ، فوضع عليها قدم رجله ، ودخل رسول الله ﷺ الغـار واستراح على فخذ أبي بكر لأن المصطفى أنس بربه – وإذا بهذه الفرجـة ثعبان أراد أن يخرج ليشهد وجه رسول اللہ ﷺ - لأنه بعث رحمة للعالمين والثعبان من العوالم – فكانت قدم أبي بكر مانعا وحاجزا ، فعض الثعبـان أبـا بكر ليخلي له السبيل ، وتألم أبو بكر أشد الألم ، فوقعت من عينه دمعة شعر بها رسول اللہ ﷺ فقام قائلا : ( ما يبكيك ؟ ) فقال : لثعت -- أو لدغت – يا رسـول الله ، وقدم رجله ، فتفل رسول الله عليها فذهب ما يجده .. واعتذر الثعبان بأنه لم يرد أذاه ، إنما أراد شهود وجه رسول الله ﷺ . 

إن الله معنا :

ذكر القسطلاني : أن أبا بكر لما رأى القافة ، أي : الذين يتتبعون الآثار ، اشتد حزنه على رسول الله – لأنه روحه الحقيقية – 

وقال : إن قتلت أنا فإنمـا أنـا رجل واحد ، وإن قتلت أنت هلكت الأمة ، 

فقال رسول الله ﷺ : "لا تحـزن إن الله معنا"

 وفي ذلك يقول تعالى في نهاية الغزوات – غزوة تبوك – { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم﴾ ( التوبة : ٤٠ ) .

ذكر صاحب السيرة الحلبية والقسطلاني في المواهب :

السكينة : أمنة تسكن عندها القلوب ، وكانت للـصديق أبـي بكـر رضي الله عنه لأن المصطفى ﷺ كان في حالة أمن وسكون كامل .

فالله تعالى نصره في الأزل بسابقة حسناه ، ولم يقل فسينصره الله ، وقد تحقق بعناية الله الأزلية حين قال لصاحبه : « لا تحزن إن الله معنا » فحين قال : لا تحزن ، فقد نفي الحزن عن نفسه ، وكيف يحزن المصطفىﷺ وتلاميذه من الأولياء : ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وفي ذات الوقت يريـد لمـن يكون في معيته أن يكون على نفس النهج ، وأثبت الأنس بالله حين قـال : {إن الله معنا } إذ لو كان خائفا لقال : إن الحفيظ معنا ، أو الواقي معنا . 

المعية ثلاثة :

يقول الإمام أبو العزائم :

 ( المعية ثلاثة هي : 

1- معية الهوية من مقام الغيب ، قال تعالى : ( وهو معكم أين مـا كنـتم } ( الحديد : ٤٠ ) وهي معية عامة .

٢ -- معية الربوبية ، قال سيدنا موسى : 

{ إن معي ربي سيهدين﴾ ( الـشعراء : ٦٢ } .

 ٣- معية الإلوهية ، قال : { إن الله معنا } ( التوبة : ٤٠ ) .

وهذه أتم وأكمل وأسمى من معية موسى ، لأنه قدم معيته على ربـه فقـال : {إن معي ربي } والمصطفى العظيم ﷺ قدم ذات الله فقال : { إن الله معنا} . 

وهو نوع من الأدب الراقي في الحديث مع الله.

وموسى قال : « معی ربی » فخص نفسه بالمعية دون غيره.

والسيد الكـريمﷺ قال : { إن الله معنا }؟

 لأن معيته تشمل وتربي وتجمع الكل ، كمـا كـانـت رحمته للعالمين ، وشتان بين معية الربوبية ومعية الإلوهية ) .

 ثاني اثنين :

وكانت ( ثاني اثنين ) هي تحفة الصديق ، ولذلك يقول العلمـاء : مـن أنكـر صحبة الصديق كفر ، وقد أحسن حسان بن ثابت حيث قال :

وثانی اثنین في الغار المنيـف

                            وقـد طاف العـذو بـه إذ صعد الجـبلاً

وكان حب رسول الله قد علموا

                                   من الخلائـق لـم يعـد لـه بـدلا

ويقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه :

بل وفي الغار قـال فـي نـص أي

                            ثـاني اثنـيـن قـد حباني وصالي

 قـال لـى صـاحبى أوتينـا يقينـا

                         قلت ربی معنا فطـب يا مثالي 

وكشف الإمام أبو العزائم رضي الله عنه سرا خطيرا من أسرار الغار حيث بـين أن مشاهد المصطفى ﷺ كانت أعلى من مشاهد سيدنا يونس عليه السلام فـي بطـن الحوت ، وكذلك ما شهده الصديق رضي الله عنه بعد نزول السكينة علية بفضل الـصحبة لرسول اللہ ﷺ ، فهذا يرى الظاهر وسيدنا يونس يرى معانى الصفات فيقول :

إلى غيب مجلى الذات هاجرت تفريدا 

              فأشرق هذا الغيب للـروح مـشهودا

 أي { لا تحزن ) شراب تديرها 

               علـى روح صـديق فيفقـه توحيـدا

 تهاجر يـا مـولاى والقـدس موئـل

                لتشهد فـي حـق العبـودة معبـودا

تجاوزت ترك الترك في السير حاضـرا 

                 وصـاحبك الممنـوح نـال وجـودا

 مع الله في غـار كيونس أشرقت له

                  حضرة الإطلاق كشفا وتحديـدا

معية قرب في غياهـب ظلمـة 

               بها الأنـس يمحـو غـربـة وجهـودا

بأعينه قد كنت في الغار سيدي 

              وصديقك الممنـوح خـاف صـدودا

  ويونس في حوت الجـواذب أشـرقت

             عليـه المعـــاني آنــسـتـه سـجـــودا

يرى صاحب المختار في الغار ظاهرا 

                 وشتان بـيـن الحـضرتين ورو دا

ومن بيعة الرضوان لاح لـى الخفـا 

                 نعم كنـت یـا مـولای لله مقصودا

تهاجر فـي نـور العـودة راقيـا 

                  فأوليت يا مولاى قربـا وتأييدا

تجملت من معنى العبـودة سيدى 

                  بأكملهـا قربـا وعلمـا وتوحيدا 

نعم هجرة فيهـا الجهـاد لرفعـة 

              إلى حضرة المجلـى وفيـت عهـودا

لتسقى أهل القرب راحـا طـهـورة 

                 بها شـهـود الـرب القريـب رشيدا 

فداك أبي والـروح والعقـل سـيدى 

               وهجرتك الأخرى إلى الحـق تاكيدا 

أنل ل آلها من حضرة الغيـب مـا بـه

                ينال الرضا والفـضـل منـك مزيـدا 

بطيبة أحيا فـي جـوارك حاضـرا

                  بروحـى لأشـهد مـشهدا محمـودا

ولـى بغيـة لا أستطيع بيانهـا 

                  وقد شهدت عينـاي منـك ودودا

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم