طيب القول.. بقلم: مصطفى ياسين
قَدَّر اللهُ لىِ القيام بزيارة إلى بعض المُدُن المغربية ضمن وفد إعلامي مصري تكون من عشرة زملاء من مختلف وسائل الإعلام المصريّة، خاصّة في ظلِّ ما تشهده العلاقات الأخويِّة بين البلدين الشقيقين في الفترة الأخيرة من توثيق العُرَى والارتقاء بها على كلِّ المستويات بفضلِ الله سبحانه وتعالى أولا، ثم بِصِدْقِ وإخلاص قيادة البلدين برعاية فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وجلالة الملك محمد السادس، حفظهما الله ونصرهما على التحديات والصعوبات الخطيرة التي تواجِه عالَمنا العربي والإسلامي في عالَم يموج بالصراعات والحروب المدمِّرة للدول والشعوب.
جاءت الزيارة ضمن أول وفد صحفي مصري يزور المملكة المغربيّة، كـ"استراتيجية" تهدف لتعميق العلاقات الأخويّة بين البلدين الشقيقين، والتعريف المتبادَل بين أبناء البلدين بحضارة وثقافة المُجْتَمَعَيْن، والاطّلاع على ما تمَّ إنجازه خلال السنوات الأخيرة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبِنْيَة التحتيّة والخدمات الإنسانية والتكنولوجيّة.
فكان برنامجاً مكثَّفًا بمعنى الكلمة، والذي لم يُهْدَرْ منه ولو دقيقة واحدة، فحمل تنوَّعا كبيراً ما بين التعريفي والتثقيفي والترفيهي ولم يغفل حتّى الجانب التسويقي، فكانت تجربة ناجحة بكل المقاييس في إزالة كثير من حالة غياب المعرفة بالآخر.
لقد تنوَّع البرنامج ما بين التعرُّف عن قُرْبٍ بـ"عراقة" الماضي وأصالته، والحاضر بحضارته وإنجازاته، واستشراف المستقبل بتطلُّعاته وقفزات تطوِّر أدواته وآليّاته التقنيّة الحديثة. فكان الربطُ الذكيُّ بين المدينة القديمة "فاس" وما تحويه من كنوز حضارية وإنسانية، فهي العاصمة الدينيّة والروحيّة والعلميّة للمغرب، ذات المساجد والجامعات والمدارس والأسواق والقصور والبروج القديمة التي تتميَّز بتاريخها العريق وعمارتها الفريدة وزخارفها الجميلة، وتشكِّل "فاس" جزءًا أساسيًّا من التراث المغربي والعربي والإسلامي؛ فهي مقصدٌ للسياح العرب والأجانب، حيث تتوزَّع "فاس" على مدينتين واحدة قديمة، وأخرى حديثة، فتمزج بين الماضي العريق، والحداثة المعاصرة.
والربطُ بينها والمدن الحديثة، مثل كازابلانكا، صاحبة زَخَمِ الثقافة المعمارية الإسلامية والمغربية، والعاصمة "الرباط" مدينة النسيج و"محمد الخامس" أول جامعة حديثة، و"الحسن الثاني" ثاني أكبر مسجد أفريقيًّا وثاني أعلى مئذنة عالميًّا.
فضلاً عن زيارة الجامعة المَلَكِيَّة المغربية لكُرَةِ القَدَمِ التي تحوَّلت إلى "خليَّة نَحْلٍ" بشريًّا وتقنيًّا، استعدادا لاستضافة بطولَتَيِ كأس أُمَم أفريقيا نوفمبر المقبل، وكأس العالم لكرة القدم 2030.
وكشفت الزيارة تميُّز الثقافة والحضارة المغربية بـ"خصوصية مُتفرِّدة" وهي التي مَنَحت المملكة حماية وحصانة خاصة، تقوم على وحدة الدِّين والمذهب والعقيدة والتصوّف، حتى مع وجود مجموعة متنوِّعة من مكوِّنات الثقافة المغربية وروافدها، ومن بينها الرافد العِبْري.
لكن الأجمل كان هو الوجود المتميِّز للجالية المصرية، برئاسة إسلام حسنين، الذي وصف وضع المصريين في المغرب بأنه غير أي دولة أخرى، فالمغاربة يعشقون المصريين، ولم تَقْتَصِر تلك العلاقة على التجارة والاستثمار فحسب، بل تخطَّتها إلى النَسَبِ والمُصاهرة حتى صارت هناك أجيال جديدة تحمل جنسية البلَدَين، فهم يحصلون على حقوقهم كأبناء المغرب غير منقوصة طالما التزموا بقوانين الإقامة والعمل والاستثمار.
ويصف طارق طايل، مدير المركز الثقافي المغربي ونائب رئيس الجالية المصرية والمتحدث الرسمي، الأمين العام للاتحاد العام للمصريين في الخارج بالمملكة المغربية، هذا التواجد الشعبي بأنه أحد صور "القُوَى الناعمة" التي تعطي العلاقة بين البلدين شكلاً متفرِّدا.
فأتمنَّى أن يتمّ استنساخُ هذه التجربة فيما بين كل الدول العربية والإسلامية حتى تتعرَّف الشعوب على بعضها، فالمعرفة خير وسيلة للتقارب والتسامح والتفاهم، لأن الإنسان عدو ما يجهل، وللحديث شجون وبقية.
إرسال تعليق