رؤية مصر الجديدة.. رائدة فى الحفاظ على التراث

فى الجلسات العلمية بالمنتدى الشبابى.. بالغردقة:

"محاكمة جنائية" للنفايات البلاستيكية: أخطر الملوثات على الحياة الإنسانية والبيئية

كتب مصطفى ياسين وحسن حمدان

شهدت جلستا اليوم الثالث، ضمن فعاليات المنتدى الشبابى العربى الأفريقى، مناقشات ساخنة تعبيرا عن أهمية القضية المثارة ووجوب زيادة الوعى لدى الشباب والعامة، للحذر والحفاظ على الحياة الإنسانية والبيئية من الهلاك والدمار.

حيث طالبت الجلسة العلمية المتعلقة بالآثار الغارقة، بضرورة الحفاظ على تراثنا الذي يمثل هويتنا. وأدارتها د. جيهان البيومى، عضو مجلس النواب، مؤكدة أن الدولة المصرية الحديثة تولى اهتماما كبيرا بكل انواع التراث والموارد الطبيعية باعتبارها كنوز وهبها الله لنا، وواجبنا الحفاظ عليها وتنميتها. أشارت "البيومى" إلى وجود تعاون مؤسسى تتعامل به جميع الوزارات والهيئات وليس كجزر منعزلة، فهذه هي رؤية مصر الجديدة التى تهتم بتنمية مواردها الطبيعية والبشرية ولا تسمح بالتفريط فيها، وخلال الفترة المقبلة وبالتعاون بين مؤسسات الدولة يلمس المواطن صور واشكال الحفاظ على هذا النوع من الآثار الغارقة.

اضافت، لقد حبانا الله بنبات المانجروف لحماية البحر الأحمر من التغيرات المناخية وعمليات النحر، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية العديدة له، ورغم المخاطر التى تعرضت لها المناطق الغارقة وتأثير التغيرات المناخية ، إلا أن مؤسسات الدولة تتعاون للحفاظ عليها. وشبابنا عليه دور في التركيز على هذا المجال لحماية تراثنا. من خلال تسخير التقدم العلمي الذي يساعد في إيجاد الحلول، فهذا مورد اقتصادي كبير خاصة مع تعدد اثارنا الغارقة فى بحار مصر.

هوية المجتمع 

وأكد د. عبدالعزيز صلاح، وكيل كلية اثار القاهرة، رئيس بعثة آثار البهنسة بالمنيا، خبير التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، أن التراث يمثل هوية الشعوب، فهوية اى مجتمع تبرز من خلال ثقافت وتراثه، ولم تعد المعارض والمتاحف للحفظ والصيانة فقط بل ناقل لتجارب الأجداد والتعبير عن هويتهم وثقافتهم.

وعرض د. عبدالعزيز للتجربة الاسكندرانية عن الآثار الغارقة، للمدينة التى بناها الاسكندر الأكبر ، وكيف أن هناك ٥ آلاف قطعة منها موجودة شمال قلعة قايتباي، واكثر من نصفها لا يزال تحت الماء، واليونسكو انتبهت عام ٢٠٠١ لهذا التراث الغارق، وقبلها كانت مجرد تجارب قليلة شخصية فى اسكندرية وأسوان للحفاظ على التراث، وهو ينقسم إلى تراث مادى وغير مادى، وقد توسعت مفاهيم التراث، ودخلت عليه النظرة الأممية، وهناك قائمة التراث العالمي التى تحصر تراث الشعوب.

وقال د. عبدالعزيز: هناك إشكالية تتعلق بالتراث والآثار الغارقة، هل تتم المحافظة عليها في مكانها حتى لا يتأثر ولا تتغير ملامح الموقع؟ أم تستخرج وتوضع في متاحف؟ خاصة أنه حدث سلب ونهب من المتطفلين وإيذاء للأثر، وهناك مواقع وهياكل وسفن غارقة تحمل كنوزا، فكيف نعرضها؟ والاقتصاد لا يتحمل تكلفة الاستخراج، رغم أن تلك الآثار هى رصيد المخزون الاثرى للدول واى خسارة يعد خسارة للإنسانية جمعاء، ومع أهميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية.

وهناك ٩٠ موقعا فقط من مئات المواقع غير المكتشفة او الغارقة، والتكنولوجيا الحديثة ساعدت فى الإكتشاف للمواقع الغارقة، مثل الرادار والغوص والسفن المتخصصة فى قاع البحار، وأجهزة حديثة مع وجود الغواص المؤهل حتى لا يضر بالآثار الغارقة.

أوضح د. عبدالعزيز وجود فرق بين الآثار البحرية والآثار الغارقة، والتجربة المغربية استفادت من كثرة الآثار الغارقة، مشيراً إلى وجود مواقع كثيرة فى مصر بل كنوز نسابق الزمن لاستخراجها وعرضها بالسبل التكنولوجية الحديثة. خاصة وأن اكثر من نصف مدينة الإسكندرية القديمة قابع فى البحر، فضلاً عن وجود تحف ومسكوكات وآثار فرعونية، ورغم أن متحف الإسكندرية يعتمد على الآثار المنتشلة من البحر المتوسط، إلا أن كثيرا من المواقع والآثار مغمورة.

وأكد د. عبدالعزيز أنه علينا نشر الوعى بالآثار الغارقة فهى عنصر تميز بكل بلد. الآثار الغارقة استفادت من التغيرات المناخية بظهورها والكشف عنها كاثار غارقة. وإن التجربة المصرية رغم تكلفتها ومشاركة مصر لليونسكو فى ٢٠٠١ فى مسألة الحفاظ على التراث إلا أننى ادعو جامعة الدول العربية والاتحاد العربى للشباب والبيئة، للتباحث واعادة التأهيل للمتعاملين مع الآثار الغارقة، وبحث المخاطر التى تواجه الآثار الغارقة وكيف نحميها؟

أشار إلى أن جهود الدولة المصرية الجديدة واضحة وكبيرة منذ ١٩٩٦ لحماية الآثار الغارقة ممثلة فى وزارة الآثار. لكن ننتظر تكثيفها لمزيد من الحفاظ على هذا الكنز الثمين. مؤكدا أننا كشعوب عربية لدينا وعى بأهمية هذه الآثار الغارقة، والمجتمع العربى واع للتحديات ومحب لتراثه، ولكن امامنا ١٠ سنوات ليصل صوتنا لأن هذا المجال كان مجهولاً ومنهوبا! ومكلوب له سن قوانين لعدم الغوص في أماكن الآثار الغارقة، وامكانات الدول هى التى تتحكم في كيفية الحفاظ عليها.

وتفعيلا للمشاركة الشبابية الإيجابية كان مقرر الجلسة الباحث محمد محمود المتخصص فى استكشاف الآثار الغارقة.

النفايات البلاستيكية

وتحولت جلسة "النفايات البلاستيكية"، برئاسة د. كرم عبدالنعيم امين، الاستاذ بكلية زراعة اسيوط، إلى محاكمة جنائية للإفراط غير المبرر فى استخدام المصنعات البلاستيكية، نظراً لخطورتها على الإنسان والبيئة، حيث وصف د. صابر جمعة عبده، استاذ تغذية الحيوان بكلية زراعة الأزهر فرع أسيوط: النفايات البلاستيكية بأنها من أهم المواضيع التي تهتم بها الـدول في الوقـت الحاضـر نظـرا للمخـاطر التـي يمكـن أن تنـتج عنهـا وتلحـق أضـرارا بالبيئـة وصـحة الانسـان، إن التلوث البلاستيكي عبارة عن تـراكم مجموعـة مـن البلاسـتيكيات في داخـل البيئـة ،تـؤثر بالســلب علــى الحيــاة البريــة وعلــى صــحة الإنســان أيضــا، كمــا أن انتشــار النفايــات البلاستيكية في البيئة الطبيعية يظهر من خلال عدم التعامـل معهـا بطريقـة سـليمة سـواء في مصادر إنتاجها أو أثنـاء جمعهـا ونقلهـا والـتخلص منهـا، ممـا يـؤدي إلـي أضـرار صـحية وبيئيـة جسـيمة، وذلـك مـن المشـاكل الكبيـرة التـي تواجـه العـالم أجمـع بسـبب الحاجـة الدائمة إلى استخدام البلاستيك مع التزايد السكاني.

وظهـرت مشـكلة تلـوث البلاسـتيك بسـبب بـطء تحلـل البلاسـتيك. ممـا يـؤثر علـى الأراضي والمجـاري المائيـة وكـذلك المحيطـات. وجميـع الكائنـات الحيـة وخصوصـا الحيوانات البحرية. لأنها تعلق في هذه البلاستيكيات أو تقوم بابتلاعهـا. كمـا أن التلـوث البلاستيكي يؤثر على صحة الإنسان، عن طريق التـأثير علـى هرمونـات الغـدة الدرقيـة، وكذلك مستويات الهرمونات عند الإنسان. وهي من المخاطر التي توجد بسبب التلوث البلاستيكي.

ما هو البلاستيك ومما يتكون؟ البلاستيك يخلق من مركبـات عضـوية مكلـورة وغير مكلورة ذات أوزان جزيئية كبية جدا ،تتكون جزيئتها من سلاسل طويلة من مركب واحد في صورة متكررة ترتبط فيمـا بينهـا بـروابط كيميائيـة تحـت ضـغط وحـرارة عاليـة، لتكــون مـا يسـمي بـالبوليمرات Polymers وأشــهر هــذه البــوليمرات هـي " البــولي فنيــل كلوريد" أو ما يطلق عليه ( (PVC ويضاف لعجينة المواد البلاستيكية مواد تمثل مـن -٤٠ %٦٠ من العجينة الكلية، وهي عبارة عن مواد مثبتة ومسـتحلبات ومضـادات للأكسـدة، وهي التي تكسب البلاستيك الخام الليونة طول العمل ومقاومة الأكسـدة، ومنـع تكـوين شحنات كهربية عليه وغيرها من الخواص المرغوبة، ويجد أكثـر مـن خمسـين نـوع مـن البلاستيكيات، ولكن جرت عادة المتخصصـين في البـوليمرات علـي تقسـيم البلاسـتيك لنوعين أساسين، نوع مقاوم للحـرارة ولا يلـين، ونـوع يلـين بـالحرارة.

اسباب التلوث

أشار د. صابر إلى الأسباب الرئيسية للتلوث البلاستيكي، قائلاً: تعتبر النفايات البلاستيكية من أهم أنواع النفايـات الصـناعية في مصـر والتـي تحتـاج إلى جهد كبير ومنظم نظـرا لأنهـا أصـبحت تسـتخدم بكثـرة لذا أصبح الاستغناء عنها أمرا من المواد التقليدية حيث تتعدد أنواع المواد البلاستيكية وتختلف عن بعضها البعض في التركيب، ولكل منهـا اسـتعمالات خاصـة تناسـب تركيبهـا وخواصـها مـع الهـدف الـذي صنعت من أجله وهناك العديد من المواد البلاستيكية مختلفـة الاحجـام فهـي قـد تكـون صغيرة وقد تكون متوسطة أو كبيـره. ويـتم الـتخلص مـن البلاسـتيك بطريقـة غيـر صـحية وغير صحيحة، عن طريق إلقائه في القمامـة، أو حرقـه، او إلقائه في المجاري والمسطحات المائية. وتعتـبر مشـكلة حـرق البلاسـتيك مشكلة أخرى، شديدة السمية قد تؤدي إلى أمراض قاتلة. إن أنواع النفايات البلاسـتيكية التي تسبب تلوث البيئة تنقسم تبعا لحجمها إلى نفايات صغيرة ومتوسطة الحجم.

التلوث البلاستيكي

أوضح د. صابر أن التلوث البلاستيكي: عبارة عن المايكرو بلاستيك، وهي عبارة عـن كـرات بلاسـتيكية هي الأساس الذي يستخدم لتصنيع البلاستيك، وتنقسم إلى(مـايكرو بلاسـتيك) ويطلـق علـى البلاسـتيك الـذي يـتراوح حجـم مـا بـين 2 إلـى 5 مليمـتر، أما (المـاكرو بلاسـتيك) فيطلق على البلاستيك الذي يتراوح حجمه 20 ملم ، يؤثر التلوث البلاسـتيكي علـى الأراضي، عن طريق المواد الكيميائية الضارة التي تصل إلـى التربـة المحيطـة، وتتسـرب إلى المياه الجوفيـة أيضـا ويـؤدى ذلـك إلـى أضـرار بالغـة، لجميـع الكائنـات الحيـة التـي ُ تتغــذى أو تشــرب مــن الميــاه. ويمثــل الإفــراط في اســتهلاك البلاســتيك، وســوء إدارة ً النفايات البلاستيكية تهديدا متناميا مما يتسبب في امتلاء مكبات النفايات عن اخرها وخنـق الأنهـار، وتهديـد الأنظمـة الإيكولوجيـة البحريـة. ولكـل هـذا تـأثير سـلبي علـى القطاعات البالغة الأهمية بالعديد من الاقتصادات ،ومن بينها السياحة والشحن ومصايد الاسماك. وبسبب التوسع العمراني السريع وصعود الطبقة الوسـطى، التـي يتزايـد اسـتهلاكها مـن المنتجات البلاستيكية ومواد التغليف لسهولة التعامل معهـا وتعـدد اسـتخداماتها. إلا أن البنية التحتيـة المحليـة لإدارة النفايـات لـم تواكـب وتيـرة هـذه التطـورات، ممـا أدى إلـى تراكم كميات كبيرة من النفايات التي تدار بشكل سيء. بالإضافة إلـى ذلـك، أدى تفشـي فيــروس كورونــا إلــى تفــاقم الوضــع بســبب زيــادة اســتهلاك الكمامــات وزجاجــات المطهرات ومواد التعبئة والتغليف لتوصيل المشتريات التي تتم عبر الإنترنت كما يؤثر التلوث البلاستيكي بشكل كبير على المحيطات، حيث يتم إلقاء مـا يقـارب 165 مليون طن من البلاسـتيك في جميـع محيطـات العـالم. ويـتم نقـل هـذه المـواد عـن طريق البحر أو المحيطات باستخدام سفن الشحن، ومـن الممكـن أن تتسـرب جـزء مـن هذا البلاستيك إلى البحر أو المياه سنويا، مما يؤثر على الكائنات البحرية والشواطئ.

إن الأكياس البلاستيكية تأخذ فترة تتراوح ما بين سنة لكـي تتحلـل. ولكـن لا تتحلـل بالكامل وتعد من أخطر أنواع التلوث البلاستيكي. لأن الأكياس البلاستيكية تقـوم بقتـل الكائنات البحرية. ومن أكبر مشاكل التلوث مقالب القمامة والنفايات أيضا. لأنها تكـون داخل الأرض أو على السطح فيؤثر على خصوبتها. وتقوم بتلوث التربة والهواء أيضا.

ويحتاج البلاستيك فتره كبيره جدا للغاية لكي يتحلل وقد تصل إلى 400 عام أو أكثـر بسـبب الـروابط الكيميائيـة التـي تتكـون منهـا اللـدائن. وهـي الأشـياء التـي يـتم تصـنيع البلاستيك منها. تكون قوية جدا وقد يتراوح معدل التحليل ما بين 500 إلى 600عام.

كما أن استخدام نواتج إعادة تدوير النفايات البلاستيكية أصبح أمرا خطيرا إذا مـا تـم اســتخدامه في غيــر المجــال المخصــص لــه، حيــث يقــدر الإنتــاج العــالمي مــن المــواد البلاستيكية حوالي 150 مليون طن ويبلغ استهلاك مصـر حـوالي12 مليون طن سنويا مــن الخامــات الأوليــة للبلاســتيك يــتم اســتخدام 50% منهــا في صــناعة التعبئــة والتغليف مــن الخامــات الأوليــة والتي تقدر بحوالي 683 ألف طن سنويا، وتقدر كمية النفايات البلاسـتيكية التي يـتم تـدويرها في مصـر بحـوالي 290 ألـف طـن سـنويا ويـتم تصـدير 21 % مـن هـذه الكمية.

خطوره البلاستيك

ويكمـن خطـر المـواد البلاسـتيكية في كونها مواد مقاومة للتحطيم الميكروبي. وخاصة الأنواع المكونة من بوليمر مكلور، ومن ثم فقد تراكمت المواد البلاستيكية لتصـنع تـلالا توشـك أن تغطـي الكـرة الأرضـية.

ولكن ماذا يحدث إذا تخلصنا منها بالحرق؟ ان خطرهـا سـيزداد ويصـبح أشـد قـوة ، بـل إنـه بمثابـة إخـراج المـارد مـن قمقمه. حيث ينتج عن حرقها حامض قوي جدا هو حامض الهيدروكلوريك HCI، وكـذلك مركبـات شديدة السمية وأكثر هذه المواد الناتجة عـن الحـرق مسـببة للسـرطان كمـا أوصـت بذلك هيئـة الصحة العالمية WHO .

فالمواد الكيميائية تستخدم في تصنيع بلاستيك التغليف والعبـوات ويمكـن أن تنتقـل هذه المواد الى الأغذية خلال الاستخدام ، اذ تعد كمية المـواد الكيميائيـة المنتقلـة مـن البلاستيك إلي الغذاء تعتمد الي حد كبير علي طبيعة الغـذاء ودرجـة الحـرارة وزمـن التلامس بين الغذاء والبلاستيك، ومع ذلـك فـان الاسـتعمال المناسـب سـوف يقلـل من كمية المواد الكيميائية المنتقلة الي الغذاء كما أنها لا تسـبب أضـرار صـحية علـي المستهلك إذا استخدمت لمرتين فقط .

لقد أثبتت العديد من التجارب علي الآلاف من الأشخاص أن دماءهم تحتوي علي Phthalates والتي تشتق مـن الحـامض العضـوي كميات متفاوتة من مادة الفثالات الفاليـك، ويـتم تقـديرها بواسـطة التحليـل الكرومـاتوجرافي والـذي يتـيح لنـا قيـاس تركيزات منخفضة تصل إلي 9 الي 10 من الجـرام أي جـزء في المليـون، وهـذه المـواد البلاسـتيكية هـي مـواد شـديدة الثبـات وعاليـة المقاومـة لأنـواع الـتحطم الحيوية المختلفـة وغير الحيوية في البيئة، وهذه المواد تدخل أجسامنا عن طريق الغذاء والماء ً والدواء حتي الهواء، لتحدث تلوث تراكمي متزايدا مع الوقت لتصل لدرجة التسمم أو إتلاف الأعضاء الداخلية للكائن الحي. 

وكشفت دراسة جديدة أجرتها وزارة البيئة الألمانية ومعهد روبرت كـوخ أن 97% مـن عينات الدم والبـول لــ 2500 طفـل تحتـوي علـى مسـتويات سـامة مـن المنتجـات الثانوية البلاستيكية، وتتراوح أعمار الأطفال بين 3 أعوام إلى 17 عام.  

وتشير هذه النتائج المثيرة للقلق أن الأطفال، وخصوصـا في المراحـل المبكـرة للنمـو يتعرضون لمصادر لا حصر لها من البلاستيك، (في الألعاب وجميع الأشياء التي يستخدمونها يدخل في صناعتها البلاستيك).   

وقالت( ماريكه كولوسا جيرينج )المؤلفة المشاركة في الدراسـة والأخصـائية في علـم السموم في وزارة البيئـة الألمانيـة في تصـريح لمجلـة "ديـر شـبيجل" إن دراسـتنا تؤكـد أن المنتجـات الثانويـة البلاسـتيكية التـي عثـر عليهـا داخـل أجسـام الأطفـال هـي أجـزاء مـن المواد البلاستيكية المستخدمة بشكل شائع، ويعـد الأطفـال الصـغار أكثـر المجموعـات حساسية لهذه المواد وأكثرها تضررا .

وإحـــدى المـــواد الكيميائيــة التـــي عثـــر عليهـــا البـــاحثون هــي حمــض بيرفلـــورو الأوكتانويك الذي يستخدم في صـناعة الملابـس والمقـالي غيـر اللاصـقة ( الصواني التيفال)، وكشـفت دراسات حديثة أنها مادة مسرطنة ، ما دعا الاتحـاد الأوروبـي إلـى حظـر اسـتخدامه نهائيا في 2020 م 

وهناك دراسات ثمة تفاعلات داخلية تحـدث بـين مـادة العبـوة والأطعمـة وخاصـة المـواد المحتويـة على المواد الدهنية والتي من السـهل ذوبـان المـواد البلاسـتيكية فيهـا، ولقـد لـوحظ هجـرة بعـض الـدهون مـن الغـذاء إلـي مـادة العبـوة وفي نفـس الوقـت تحـدث هجـرة عكسية، وأثبتت النتائج وجـود علاقـة خطيـة بـين هجـرة الـدهون والهجـرة العكسـية (المـواد البلاســتيكية للمـواد الغذائيــة)، وتتوقــف معــدل هــذه الهجــرة علــي درجــة الحـرارة المحيطـة وطـول فـترة تخـزين المـواد الغذائيـة بـالعبوة، وكلمـا زادت تلـك العوامل زادت معدلات الهجرة، ولقد أصدرت دول العالم المتقـدم قـرارات بحظـر تعبئـة اللـبن الزبـادي ولـبن الأطفـال والزيـت والصـابون السـائل وغيرهـا في عبـوات بلاستيكية.

كما يوجد ثمة دراسات أجريت علي حفظ الدم في الأكياس البلاستيكية، وقد تعرفنا من خلال نتائجهـا أن حفـظ الـدم في أكيـاس تسـع 6 لـترات، علـي درجـة حـرارة ٥ م لمدة أسبوعين، أدي لتسرب 25 جرام من مادة الفثالات إلـي الـدم وهـي كميـة لا يسـتهان بهـا وخاصـة في عمليـات نقـل الـدم، بـل والأمـر الأكثـر إزعاجـا لنـا أن مـادة الفثالات ثبت انتقالها مع الدورة الدموية للأم من خلال المشيمة للسائل المحيط بالأجنة في الأرحام لتصل لدم الجنين الذي أصابته لعنـة ملوثـات تكنولوجيـا الأنسـان قبـل أن يري نـور الحيـاة ، كمـا لـم تسـلم الحيـاة البحريـة مـن هـذا الخطـر المميـت

ونشرت أكاديمية العلوم الأمريكية إحصائية تفيد بأن وزن النفايات الصـلبة التـي تلقـي في البحـار ، والمحيطـات يبلـغ 14 بليـون رطـل سـنويا بمعدل أكثر من 1.5 مليون رطل في الساعة ويمثل البلاستيك 10 % من هـذه الكميـة من المخلفـات الصـلبة، وقـد بلـغ إنتـاج الولايـات المتحـدة مـن المـواد البلاسـتيكية حوالي 70 بليون رطل في عام 1990 م، ولقد وجـد أن خيـوط الأليـاف البلاسـتيكية تعمل علي سد خياشيم التنفس للأسماك مما يؤدي لموت جماعي لهـذه الأسـماك، وعند دخولها لجسم الأسماك تؤدي لحـدوث إصـابات بالغـة في أجهزتهـا الداخليـة، تغير في ميتابوليزم (عملية الهضم) المواد الكربوهيدراتيـة، وتزيـد نسـبة الجلوكـوز في الدم لزيادة الضغط التلوثي عليها، مما يؤدي لحدوث زيادة مطردة في حركة السـمكة بطريقة هستيرية، وكذلك تفقد توازنها في عمود المـاء لتقـوم في اتجاهـات مختلفـة في نفس الوقت مما يضعف قوتها، كل هـذه الأعـراض تـؤدي في النهايـة لتقليـل الإنتـاج السمكي وخفض القيمة الغذائية للأسماك.

كمـا لــم تــنج الشــعاب المرجانيــة مــن خطــر التلــوث بــالمواد البلاســتيكية، فهــذه الشعاب ليست إلا تجمعات متعاونة من الحيوانات والطحالب البحرية الدقيقة ذات ألوان متعددة وخلابة، فهي تمثل لوحة ربانية لا تري فيهـا مـن تفـاوت، فهـي كـالنغم المنظوم ،وتتمتع الكائنات التي تتعايش في هذه البيئة بالتعاون المطلق فيما بينها فهي توفر المأوي والطعام لعشرات من الكائنـات النباتيـة والحيوانيـة الأخـرى، فمـاذا إذا ألتفت أكياس البلاستيك حول هـذه الشـعاب، وغطتهـا علـب الطعـام والمشـروبات والمنظفــات البلاســتيكية الفارغــة ؟ لاشــك في أن ذلــك يحــرم الشــعاب مــن ضــوء الشـمس، ومـن التيـارات المائيـة المتجـددة الداخلـة والخارجـة منهـا وإليهـا، والتـي تحمل الطعام الأكسجين، وهل يعد ذلك إلا الهلاك ،وتقدم الكثيـر مـن المؤسسـات العالميـة العلميـة ملايـين الـدولارات لإجـراء البحـوث في كيفيـة الـتخلص مـن هـذه الملوثــات الصــلبة، وخاصــة في منــاطق الشــعاب ذات الجــذب الســياحي والعائــد الاقتصادي الكبير، ونأخذ مثال لمناطق الشعاب في إندونيسـيا وأمريكـا فهـم يعـانون من هذه الظاهرة، وإن كنا في مصر لم نعـاني منهـا حتـي الآن في البحـر الأحمـر ولكـن لابد من الرصد اليومي لمثل هذه الظاهرة لشواطئنا بالبحر الأحمر.

ولقد أعلنت وزرارة الصحة الإنجليزية أن سبب ارتفـاع عـدد الوفيـات مـن الأطفـال الرضع الفقراء هو اسـتخدام مراتـب مسـتعملة Second Hand مصـنوعة مـن الإسـفنج الصـناعي، والـذي يـدخل في تركيبـه الأليـاف البلاسـتيكية والتـي يحـدث لهـا تحطـم نسبي نتيجة الاستعمال السابق، وينتج عن أثره مـواد متطـايرة تسـبب الاختنـاق أثنـاء النـوم للأطفـال، ولقـد أوصـت وزارة الصـحة بـإنجلترا أن تكـون المراتـب الخاصـة بالصغار من القطن.

أمل فى الأفق

ورغم كل هذا فهناك أمل يلوح في الافق، كما يقول د. صابر جمعة، فإحــدى مؤسســات الصــناعات الكيماويــة الإمبراطوريــة بــإنجلترا، أخرجــت مــن جعبتها سلالة بكتيرية تطلق عليها ( الكاليجينس أبوتروفاس) لها قدرة فائقة علي تحويل السكر إلي "بولي إستربكتيري" يشبه في صفاته الطبيعيـة مـادة البلاسـتيك إلـي حـد كبيـر . وقد توقف علماء البيولوجيا الجزيئية أمام هذا الكائن الذي يصنفه علماء الحيـاة في قائمة الحيوانات الدنيا، ويحاولون التوصل للاستفادة من نشاط هذه البكتيريـا التخزينـي في إنتاج البلاستيك علي نطاق تجاري، وهي تنتج مثل هذه المواد المعقدة بمعدل أسـرع ً ودرجة نقاء أعلي، مما يمكن لأفضل الكيميائيين البشر إنتاجه في المختبر ومزودا بأفضل الأجهزة.

ولقد تلقف علماء الهندسة الوراثية هـذا الميكـروب المعجـزة وراحـوا يطورونـه عـن طريق التعديل الجيني، وبالفعل تم إنتاج سلالة محسنة تعمـل علـي إنتـاج أوفـر مـن مـادة البــولي إســتر البكتيري الــذي يتكــون مــن نــوع طبيعــي مــن البــوليمرات يســمي " بــولي هيدروكسي بيوتيرات" PHB ليحل محل البلاستيك، ويصل إنتـاج هـذا الكـائن البكتيـري من هذه المادة إلي 80 % من وزنه الجاف

وحاليا يعكف العلمـاء علـي التحسـين مـن خـواص هـذا البلاسـتيك الطبيعـي بتغييـر البيئة التـي يـتم تربيـة البكتيريـا عليهـا، والمـدهش حقـ أن علمـاء البيئـة أبـدوا ارتيـاحهم وترحيبهم بالوافد الجديد، فهو مادة سهلة التحطيم بالميكروبـات، فبمجـرد دفـن عينـات منه في التربة تتحلل تماما في فترة مشابهة لتحلل الورق، ووجـد أحـد البـاحثين في إحـدى التجارب علي هذه الكائنات لتصنيع مادة لدنة أكثر تماسكا ومرونة تصـلح لإنتـاج أنـواع من اللدائن تدخل في صناعة الزجاج والأواني البلاسـتيكية، ولكـن المفاجـأة جـاءت فقـد وجد أن إنتاج هـذه البكتيريـا مـن هـذه اللـدائن وصـلت 20 % مـن إنتاجهـا الأساسـي مـن اللدائن الهشة .

وتم نقـل الجـين المسـئول عـن إنتـاج مثـل هـذه اللـدائن لبكتيريـا أخـري هـي بكتيريـا (أشريشيا كولاي)، وبدأت تنتج هي الأخرى هذه اللدائن بصفات محسنة ولكـن لاتصـل لعمل مصانع لإنتاجها علي المستوي الإنتـاجي، وقـد نجـح فريـق مـن العلمـاء في مجـال الهندسة الوراثية في عمل تهجين بكتيـري بـين البكتيريـا المنتجـة للـدائن طويلـة السلسـلة واللدائن قصيرة السلسلة، لإنتاج مادة بلاستيكية جديـدة ذات خـواص غيـر مألوفـة، لقـد بعث علـم الهندسـة الأمـل في إنتـاج مـواد طبيعيـة سـهلة التفاعـل مـع البيئـة وتنسـجم مـع الدورات الأيكولوجية، فمرحب به في عالمنا المجنون بكل جديد وحديث.

ولم تقف طموحات علماء الهندسة الوراثية عند إنتاج اللدائن من البكتيريا، بـل إنهـم أجروا تجارب علي نقل الجين المسئول عن إنتاج هذا البلاستيك الطبيعـي إلـي الشـريط الوراثي لعائلة من النباتات الراقية ، وبـدأت التجـارب علـي النباتـات التـي تخـزن النشـا كغـذاء مثــل البطاطـا وبنجـر الســكر وتعـديل مخزونهــا مــن النشـا لمخــزون مـن المـواد البلاستيكية الجديدة، ولكن ثمة أفكار وعقبات والأفكار تتقدم والعقبات تتـذلل، ولكـن لا يملك أحد أن يحدد تاريخ في المستقبل القريب لزراعة البلاستيك.

#الاتحاد_العربى_للشباب_والبيئة

#الغردقة

0 تعليقات

إرسال تعليق

Post a Comment (0)

أحدث أقدم